الفصل الثالث عشر
نعيش طفولتنا بسلام ..أعواماً فوق الأعوام يزداد إدراكنا بما نشعر … نرى فى أيدى أطفالاً العاب جديده نشعر بالحرمان … فيولد بداخلنا طفل صغير نقبله وندلله بإستسلامنا وندعوه الغيرة… ينمو فياخذ جزءاً من طاقتنا وأفكارنا وحياتنا … نغذى الغيرة بداخلنا لتنضج معنا وتحتل حياتنا أكثر فأكثر حينها تتحول غيرتنا إلى حسد ونتمنى زوال النعمة من أيدى أصحابها نغذي هذا العدو أيضاً فينمو لتزداد ضربات القلب غضباً إذا رأينا الخير فى أيدى آخرين وقتها تكون الكراهية قد إستشرت بداخلنا فنأذى اﻵخر لنعالج شعورنا بالدونية أمامه عسى أن يدب السلام لقلوبنا مرة
أخرى ولكننا لا ندرى وقتها أن بإستسلامنا قد صنعنا ﻷنفسنا أكبر عدواً لنا وعندما نفيق من غيبوة كراهيتنا أمام أى نجاح للآخر نجد أنهم يكملون طريهم بنحاج مجروحين ونجد أنفسنا لم ننجح بشئ سوى النجاح الساحق فى الفشل الزريع عندها يزداد غضبنا وتزداد كراهيتنا ورغبتنا فى اﻹنتقام لنتحول إلى وحوشاً ضارية تقتل ذاتها أولاً بسم
…الكراهيه ونحن فى الواقع لم نسبب للآخرين إلا القليل مما قد عانينا نحن
.إزدادت نار الكراهيه بقلب سوزى وكانت هيلين هى من تدفع الثمن من كرامتها بسبب سوء المعاملة .
لقد كان هذا سر هيلين فلم يعلما العم كارلوس أو جيمى بهذا التحوّل الجزرى فى علاقتها بسوزى فهيلين تيقن أن
علمهم بشئ كهذا لن يأتى إلا بتوابع غير مرغوبة فهيلين تعلم جيداً انهما يروا أن الكرامة فوق كل إعتبار حتى
.. لو فى سبيل فقد لقمة العيش
كما أن الحِمل ثقيل على كلايهما وهى لا تستطيع أن تكون عالة عليهم فإذا تركت العمل ستصبح عديمة الفائدة إختارت هيلين أن تتحمل معاملة سوزى البذيئة لفترة ليست بقليلة , وقد كان ذلك بالطبع بإستثناء اليوم الشهرى الذى يتواجد فيه العم كارلوس وجيمى بالقصر والذى يتميز بمعاملة سوزى المتميزة الخبيثة . فسوزى كانتتخشى أن
.يعرف أحدهم طبيعة العلاقة المسمومة بهيلين وحينها ستخسر سوزى تعاطف جيمى بالتأكيد
…كان يوماً عادياً وروتينياً جداً بالنسبة للجميع جيمى كالعادة مع العم كارلوس فى حلقة السمك
… و صورة هيلين لم تخفى عن باله منذ عدة أيام أخذ يفكر بها لليوم الثالث على التوالى من وقت هروبها عند شجرة الكستناء أخذ الشاب يتذكر ذلك اليوم ويتسائل للمرة اﻷلف
هل ستعود اﻷحوال مع هيلين مثلما عهدناها ؟؟
-59-
فأنا لم أعد أحتمل يا هيلين أريد ان أراكِ… وها أنا أجلس أرضاً أبيع السمك ولا تزال الشمس فى كبد السماء حتى
!!!أنه لم يبدأ البيع بعد.
بل ومازال أمامى الكثير من الوقت حتى أراكِ لا أستطيع اﻹنتظار حتى المساء للقائنا اليومى بعد العشاء خصوصاً إنك
.!! تتعمدين الهروب من جلستنا المسائيه بعد العشاء لثلاث ليالِ متتالية
اااه يا جيمى أتذكر كيف إحتضنتها ؟؟كانت ضربات قلبك سريعة قوية … نعم ها هى ضربات قلبى تزداد اﻵن وكأنها
.معى لماذا لم يكن اليوم هو موعد تقليم اﻷشجار ؟لو كان هذا هو يوم تقليم الأشجار لكنت اﻵن هناك
…لعلنى أذهب ﻷرى عيوناً تتهرب منى شوقاً لى … لعلنى أذهب ﻷرى وجهأً ملائكياً تملك منه الحب
إذا أنتظرت إلى المساء ستتهرب منى أيضأً وها أنا أموت هنا شوقاً اليها ولا أجد منها إلا الجفاء واﻹختفاء . فلم أعهد غيابها عنى كل تلك المدة .لماذا تمتنع عن الحديث معى كل تلك اﻷيام وتتجنب لقائى ؟؟أنا جيمى ألست هذا اﻹنسان الذى وضعت العنب على شفتيه عندما جفت ؟؟؟ ألست انا اﻹنسان الذى علمها كيفية الكتابة حتى أقرأ أفكارها كل مساء ؟؟؟
!!آه يا هيلين لقد إشتقت إلى حديثنا الذى لا ينتهى وانتِ حبيبتى تتمنعين
كم أتمنى أن أقرأ خطك الجميل وهو يداعب سطور أوراقك الصغيرة التى أهديتك أياها يوم مولدك… هل تعرفِ كم أود لو أسمع صوتك يداعب أذناى؟ ولكننى أسمعه بالفعل يا هيلين أسمعه عندما أُضحكك.. فمن صغرى أرى فى
.إبتسامتك فرحى وكأن الحياة ترقص مهللة منتشية بسكر خلاب يثرى البهجة فى عروقى
عندما أرى فقط ضحكتك أشعر وكأننى أسمع طيوراً متحررة تداعب اﻷشجار وكأنكِ تكافئيننى على مجهودى ﻹضحاكك
. ضحكة ينتشى بها قلبى
… كم أود لو أجد فى قاموس كلماتى ما يعبر عنى اﻵن
هل تذكرين تلك اﻷيام عندما كنتِ شاردة حزينة وعندما سألتك ماذا بك هيلين؟؟ كتبتِ بإبتسامه لا شئ يا جيمى كنت أشعر وقتها
…كنت أشعر وقتها بخطب ما فى ابتسامتك تلك
. كنت متاكداً أنا من شعورى هذا… مثلما أنا متاكد من متعتك بكتابة إسمى بخط يدك على أوراقك القصيرة
نعم فأنا يا هيلين أشعر إنك تكتبين إسمى بحروفٍ أعجمية أقرأ إسمى بصوتك.نعم فى كل مرة تكتبين
.إسمى أشعر كما لو كان هذا الخط يتكلم أشعر بأن ﻷسمى وقعاً خاصاًعليكِ عن باقى الكلمات
-60-
فأنتِ حبيبتى تكتبيه بحروف أخرى لم أتعلمها وكأنكِ تجدى فى إسمى كل شئ كل المآسى التى عانيت كل
..فرحة قلب تملكتنى أجدها فى حروف أسمى بخطك انت وليس خطاً آخر
أتذكرين حبيبتى عندما علمتك الكتابة سألتك أى إسم تريدى أن تتعلمى كتابته أولاً؟ أشارتى بأصابعك الصغيره تجاهى
كنت تنسين حرفاً فى كل مرة وعندما إستشط غضبأً بكيتِ نعم بيكتِ لقد أبكيتِك حبيبتى … هرعت خلفك وقفت عند باب غرفتى وجدتك نائمة ووجهك مكتوم فى فراشى وكأنك تشتكين منى له … سمعت صوت بكائك فأبكانى هرعت
. إلى الفراش جلست بجاورك رتبت على ظهرك قلت لك أنا آسف يا هيلين و أنتِ تبكين وتبكين
لم تكن تلك هى المرة اﻷولى التى أسمع فيها أناتك حبيبتى مازلت أستيقظ كثيراً فجرأً فأسمع أناتك المكتومة أسمع
.صوت أبيك يوقظك ويعطيكِ كوباً من الماء فى ليالٍٍ كُثر
أسمع صوت أنات قلبك الذى يرفض التصريح عن ما بداخله فى الصباح وفى الضوء الشمس .. ليخرج أسوأ ما به فى
…عتمة الظلام وقت نومك….عندما تفقدين السيطرة على أفكارك أو مشاعرك
!!كم هو خداع هذا القلب
.يوهمنا فنشعر بأشياء لم نشعر بها قط فى أعماقنا وقت الصباح ليغافلنا بأسوأ ما قد استشرى فينا فى ظلام الليل
…. دائماً كنت أسمع صوت أنينك الليلى فأركض لغرفتك ﻷطمئن
…أما اﻵن أجد إنك لم تحبذى تلك الفكرة فنظرتك لى الليلة الماضية كانت غريبة لم أعهدها منك يوماً!
فأنا أجدك قاسية حبيبتى بعد ما حدث بيننا ولا أعرف لما؟ أود أن أعرف لماذا تتهربين منى لماذا تتركينى بحالتى تلك أسمع أنينك وأركض إلى غرفتك ولا أجد فى عينيكِ إلا حثى على التوقف والتسمر فى مكانى !! هل تخشين وجودى معك ؟!! أنا لست بسئ يا هيلين أنا فقط أقلق عليكِ…انا فقط …. أحبك … أقلق عليك … أسمع أناتك تخرج منى … لماذا تتركينى أعانى صوت أناتك لثلاث ليال متتالية على غير العادة بدون أن أطمئن عليكِ ؟؟؟ ألاتعرفين يا هيلين مقدار عذابى لرؤيتك تعانين حبيبتى؟
أشعر وكأنك تبكين بالنيابة عنى أشعر أن قلبك يبكى لكلانا
… إن كان قلبك يا هيلين يُخرج ما به ليلاً فقلبى لا يُخرج بما فيه أبداً
عنما أراكِ و أسمعك تأنين كنت أرى ذاتى… كان قلبى يدمع… كنت أشعر أنكِ تمسكينه بقوة وقسوة كما لو كنتِ تعتصريه ليخرج الحزن من داخله … كما لو كنتِ تترجينى أن أبكى معكِ حتى أُخرِج كل حزناً قد تمكن من قلبى وأنتِ تعلمين سبب حزنى وشقائى … آه لو تعلمى كم إشتقت لجدى وأمى وأبى وأخى أتسائل أين هم اﻵن؟؟؟؟ هل أبى وأمى هم من ماتوا بأحضان بعضهم البعض منذ سنوات عدة ؟ ولكن لا لا لا لقد تركوا بعضهم البعض فيكيف يموتوا سوياً؟!! … أنا أعرف أنهم أحياء يرزقون وأخى جيوفانى أعرف إنه بخير كم أتمنى أن ألاقيه
….فأنا أبحث عنه بوجوه الناس من يأسى … ولا أراه إلا بوجههى أنا
-61-
…. شاب مراهق فى مقتبل عمره يحمل شوق حقيقى لم يستطع أن يتحكم بشوقه فلم يجد بداً من الوقوف فجأة
كارلوس ينظر ﻷعلى : جيمى …. إلى أين أنت ذاهب ؟؟
.جيمى : سأذهب لقضاء بعض الأمور
كارلوس بتعجب : أية أمور التى تجعلك تترك عملك وترحل هكذا ؟؟؟
.جيمى : أود لو أكون بمفردى لبعض الوقت
كارلوس بإبتسامة تعلوها الفراسة والدهاء : هل هيلين هى السبب ؟؟
.أرى أنكم لستوا على وفاق تلك اﻷيام
جيمى بتلقائية :: لا أعرف يا عمى فجأة تحولت هيلين فى معاملتها معى هى لا تريد التواجد معى فى أى
. مكان يجمعنا
كارلوس :هل فعلت شيئاً قد أغضبها ؟
.جيمى : أقسم لك يا عمى أننى لم أفعل أى شىء تستطيع سؤالها بنفسك
.كارلوس بهدوء: لقد سألتها.
.جيمى بلهفة : وماذا قالت لك؟
.كارلوس : قالت أننى أتوهم ذلك
جيمى سكت للحظات
.كارلوس بخبث : أتمنى لو تجلسوا سوياً وتتحدثوا حتى تعرف ماذا فعلت فى حقها يا جيمى
….جيمى :أقسم لك يا عمى لم يصدر منى أى شئ من هذا القبيل
…. إسمح لى سأذهب فأنا أحتاج لبعض الوقت بمفردى
.ذهب جيمى تاركاً حلقة السمك ومتجهاً مسرعاً إلى القصر حيث تعمل من تداوى جروحه.
…بدأ جيمى طريقه كان متردداً أيذهب بالفعل إلى القصر ليراها أم يجول متسكعاً فى أورقة القرية.
فتارة يتخيل لو إبتسم وجهها فرحاً بسماع مشاعره .تارة أخرى يتذكر ملامح وجهها خلال اﻷيام القليلة الماضية فينتابه الفزع من فكرة اﻹفصاح عما يجول بخاطرة منذ سنوات متسائلاً لو أظهر ما بقلبه لعلها تشتكيه للعم كارلوس ويخسرها … ثم يرجع ويتذكر نظرتها له فى حديقة القصر عند شجرة الكستناء فيشعر بنشوة تسرى فى عروقه وتزداد ثقته فى قراره
…أصبح جيمى متحيراً متخوفاً لا يعرف كيف يتصرف وماهى الخطوة القادمة
ولكنه قرر أخيراً الذهاب للقصر فعلى أية حال هو لا يطيق أن تكون الحياة بينهم بهذا الحال فعلى أى حال يوجد هناك ما
يجب التحدث بشأنه وهذا ما يزيد اﻷمور شغفاً وسعادة فتلك النوعية من الأحاديث هى اﻷولى مع هيلين فلربما
..ينجرف الحديث إلى ماهو أجمل وأعمق
-62-
أريد أن أراكِ هيلين أن المس يديكِ بيدى أريد أن تلمس
.يدكِ وجههى أريد أسمع إسمى من بين شفتيك بكل لغات الحب
.أريد قبلة تبل شفتاى التى جففها الزمن
…وصل جيمى إلى القصر منتشياً بخيالاته الشبابية الجامحه وما أن وصل إلى حظيرة الجياد وجد ما يكسر القلب