الفصل الحادى عشر
ليس بالضروره أن تكون علاقة الدم هى سيدة العلاقات …. فهناك آباءً حقيقيين كانت القسوة عنوان علاقتهم
.. بأبنائهم …. وهناك أباء ليسوا بالدم ولكن علاقتهم باﻷبناء يحكمها الحب والصداقة
.نداوى أحياناً جروح اﻵخرين ولكننا فى الواقع نحبث عن دواء لنا فى إبتسامتهم لنا
حُرم جيمى من التعليم … ولكنه حظى بالعم كارلوس كمدرسه الخاص لمواجهه تحديات الحياة أصبح جيمى أكثر
.قوة ورصانة
كان جيمى محبوباً من الكل و كانت المحبة هى أساس كل علاقاته …. يتشاركون جيمى والعم كارلوس أفكارهم
وخواطرهم أثناء الصيد فيتكلمون تارة ويأخذهم الحديث … وتارة يسود الصمت فيسمعون صوت المياه الخافت
… وسط صخب الصيادين اﻵخرين
كان يقطع صمتهم سمكة كبيرة قد تم إصطيادها … عندها يموت الصمت وسط فرحة طفولية حقيقة وضحكة صاخبة
…من القلب
.مرت اﻷيام طيبة جداً فى عيون جيمى وأصبح الشاب الصغير بمثابة اﻹبن للعم كارلوس
. علمه العم كارلوس أصول الصيد والبيع والشراء والتوفير . كانوا يعملون كخلية نحل كل منهم يفيد البيت بأمواله
. مرت السنين ظهر الشارب الخفيف على الوجوه البريئة غلظ الصوت وطالت القامة وأصبح جيمى عريض المنكبين و
..كصورته جيوفانى كما ظهرت ملامح الأنوثه على هيلين
وصل جيمى إلى سن الثانية عشر ولم ينغص عليه الحياة إلا غياب أخوه رغم البحث المستمر عنه ….وغياب صوت
. صديقته الوحيدة هيلين إنها تعانى من الخرس
هيلين تنظر للشمس المشرقه شاردة بإبتسامة عذراء .. تداعب أصابعها فرو قطها الرومادى الصغير …. تتذكر كيف نظر
.. لها جيمى أمس
آه يا جيمى تلك النظرة التى أعشقها بل إننى قد أصبحت مريضة بها حبيبى …فإن مر يوماً دون أرى تلك النظرة شبت نيران الشك بقلبى… ولكن مهلاً ماذا لو لم تكن .
-49-
تحبنى كما أحببتك؟ ماذا لوكنت تعتبرنى أختك الصغيرة؟ أو أنك تشفق علىّ لأننى لا أتكلم؟ ولكن لا لا
….فتلك النظرات فريدة من نوعها لم اعهدها منه فى الماضى
مهلاً هيلين ما هذا الصوت ؟ اليست هذه خطا أقدامه؟ نعم .. لقد إستيقظ !! سألتفت اليه لأراه ولكنه سيرانى التفت اليه….وما المشكلة إذا تلاقت العيون ؟ ألم تلتق قبلاً؟
ها هى هيلين محبوبتى … تستيقظ مبكراً ككل صباح تجلس على عتبة باب الكوخ الذى تفحته كعادتها لتنشر الشمس الساطعة أشعتها فى كوخنا المتواضع ها هى الحسناء تسبح بأناملها فى الفرو الغزير لقطها الرومادى …. تذهب بعيناها إلى أفق أبعد وأعمق تخالها شاردة و حقيقة اﻷمر أن سكونها وتأملها ماهو إلى إدراك صريح لعمق الحياة …. آه يا هيلين … أفكارك كثيرة وكلماتك معدومة كم أود لو أسمع كل أفكارك كم أود لو أسمع صوتك… وﻵن حديثنى حبيبتى إن كان صوتك رخيم أم نحيف كصوت قطة برئية … أهو صوت واثق قوى؟ بل و سؤالى لكِ حبيبتى هل تتذكرين أنتِ صوتك ؟
جيمى أفق من شرودك بوجهها !!! هاهى ستلتف اﻵن اليك حول عيناك عنها سريعاً يا جيمى … حتى لا ترى حبك بعينيك
!! ولكن ماذا إن رأتنى أنظرها ؟!فأنا لا أستطيع أن أحول عينى عنها
ها هى تتلاقى العيون تتلاقى القلوب تتلاقى كلمات فمه العادية وإشارات يدها السطحية الروتينية …. و هاهو الحب
معلماً دكتاورياً قد أعطى العاشقين أصعب دروس الحب … بل أعمق لغه من لغات الحب … ليتقن العاشقين لغة أخرى
… تتناغم مع لغة قد إعتدوها فلأحاديثهم لغة ولنظراتهم لغة أخرى من عوالم أخرى
لتحقيق الأهداف ربما نلجأ للسؤال … ولكن ليس لكل سؤال جواب فورى … ها هو يبحث جيمى الشاب عن جواب لأسئلة كثيرة .. ليحقق أهدافه … فإن كان هدفه الأولى لقاء أخوه … فهدفه المُلح هو معرفة سبب إنقطاع حبيبته هيلين عن الكلام
.. قرر جيمى قطع حبل اﻹحراج الذى منعه من سؤاله المُلح سنتين اﻵن
…ها هما اﻷب وإبنه يمارسان مهنتهما بصمت كأغلب الأوقات … يتردد جيمى … يقاوم خجله
.جيمى : عمى كارلوس
.كارلوس: نعم بنى
.جيمى :لطالما أردت أن أسال سؤلاً ولكنى كنت أخشى أن تشعر باﻹمتعاض ﻷجل سؤالى هذا
. ولكنى بالفعل أريد أن أعرف
.كارلوس: إسال يا جيمى
-50-
ينظر جيمى إلى العم كارولس : لماذا لا أسمع صوت هيلين أبداً؟ ولماذا تستيقظ أحياناً كثيره ليلاً خائفة؟
..كارلوس ينظر بجانب عينيه إلى جيمى ثم يعيد النظر إلى النهر الفسيح : تلك قصة طويلة يا جيمى
…يتنهد العم كارلوس ليستأنف الحديث
قررنا يوماً الذهاب للمدينة عن طريق النهر للتنزه غرقت المركب فى عرض النهر بسبب خللاً ما فى صيانتها و
… مات كثيرين وماتت والدة هيلين أمام اعيننا
. كانت هيلين وقتها فى سن الرابعة ومن وقتها لم أسمع لها كلماتاً قط
.جيمى : أنا أعتذر يا عمى كارلوس
ترسخت الكلمات بقلب الشاب الصغير فأخذ على عاتقه مسؤلية إسعاد صغيرته … فإعطى وقتاً قصيراً من اليوم بعد العشاء ليتسامروا و يعبر كلٍ منهم عن كلماته بطريقته الخاصة …. كان جيمى يتعمد إضحاك صديقته الصغيرة حتى إذا إضطر إلى إختلاق مواقف مضحكة …. فكانت تبتسم تارة وتضحك تارة أخرى … وتنظر له بإبتسامة ماكرة تارة أخرى
عندما يتصنع جيمى السعادة…. فيتراجع كطفلاً قد خاب أمله ليحكى له عن مشاكله فى حلقة السمك فتواسيه
… بالعنب كعادتها
.كان جيمى يستهدف علاج جروح هيلين ولم يعلم أنه يداوى جروحه بدوره عندما تبتسم له بدورها
عندما نشفى جروح آخرين تُشفى جروحنا حتى وإن لم تربطنا بهم علاقة ..فالعطاء بكل صوره سعادة حقيقة وسبباً كافياً لإستكمال الحياة حينها نشعر بشكلٍ أو بآخر بقيمتنا فى إبتسامة اﻵخر..فإن إنتصارنا على عدواً لنا بمحبتنا فسنتغلب على كراهيته بطاقة المحبة بداخلنا وربما نكتسب صديقاً جديدأً فى ظل قوانين الحياة القاسية… عندها نفخر بإنتصاراً قوياً على غريزتنا العداونية وكراهية العدو .. فهذأ نوعاً هاماً من النجاح هذا نوعاً هاماً من التحدى.. فتحدى الذات البشرية وتحدى الغرائز الطبيعية إنتصاراً فى معركة يخسرها كثرين فهذا إنتصاراً يحتاج لعزيمة هذا إنتصاراً يحتاج لثقة
فللمحبة والسلام الداخلى فلسفة خاصة نكتسبها بالممارسة
قصر كروفت …..فى هيريفوردشايز كان القصر ملكاً لعائلة كروفت تقع على بعد 30 ميلاًمن الجنوب الغربى من لندن مقاطعة سورى فى إنجلترا بنى القصر عام 1497 على يد كاهن ووزير الملك هنرى السابع ثم تم اﻹستلاء على المنزل من قبل الملك هنرى الثامن …. فالملك إدوارد السادس والملكة اليزابيث اﻷولى قد قضيا طفولتهما فى هذا القصر ,وريث الملكة اليزابيث الملك جيمس الأول لم يحب القصر لذلك قام بتسليمه لرئيس الوزراء روبرت سيزل مقابل قصر ديولبودز وهو منزل عائله سيزل أحب سيزل البناء وقام بهدم3 أجنحه من القصر الملكى عام 1608
. وها هو الآن مزارا سياحياً
-51-
.توالت ملكية القصر إلى أن إمتكله اللورد دانيال
كان القصر الكبير على تلك التلة الكبيرة الخضراء ذو الحديقة المترامية اﻷطراف التى تنتشر بها جميع أشجار الفاكهة
والخضراوات تعجز العين عن رؤية نهايتها وكلما إبتعدت عن القصر تشعر أنك قد تعمقت فى غابة لا نهاية لها
.. ولا بداية
تُزرع بها جميع أنواع الفاكهة تارة ترى جمال الخضرة فى الحديقة وتارة تراها بيضاء من غزو الثلوج عند حلول فصل
الشتاء أو تارها فقيرة يابسة بفصل الخريف…. تارة تعج الحديقة بالمزارعين فى المواسم وتارة تهرب الناس من
.. الحديقة خوفاً من وحشتها فى مواسم أخرى
.لترى خلال السنه الواحدة جميع اللوح الفنية الرائعة لنفس المكان فتشعر أنك قد رحلت وأنت لازلت بمكانك
..أما القصر فكان يمتاز بحرفية المعمار والنقشات والتماثيل التى تدخل فى عمق الجدران
وكأنك قد دخلت للتو متحفاً جميلاً يمتلئ بتماثيلاً منحوتة فائقة الجمال والروعة كانت الساعة الكبيرة تظهر على أعلى
قمة فى القصر فإذا ابتعدت عن أبعد مكان للقصر ترى الساعة فتقترب رويداً رويداً لترى الزخارف النحاسية تزين الساعة
.بالورود والطيور بمنتهى الوضوح من فوق القصر على التلة
خمس منارات رفيعة تحتوى كل منها على جرساً يدق كل ساعة مصدراً سيمفونية رائعة تقشعر لها اﻷبدان فتدرك
…قيمة ورهبة الوقت
.. أمام القصر من اﻷربع جهات نافورة عند كل مدخل واحدة على شكل نساء وأخرى أسوداً وأخرى حماماً وأيضاً ملائكة
. لقد كانت كل نافورة تحفة فنية بحد ذاتها إن نمّت على شئ فإنما تنم عن زوقاً رفيعاً وفكر إبداعى وهندسى مميز
يأتى الحمام يومياً صباحاً ليروى ظمأه من النوافير… لتكتمل لوحة فنية رائعة لقصر فائق الجمال لقد كان القصر من
الخارج تحفة فنية رائعة وتراث يستحق اﻹجلال والعظمة صمم هذا المتحف الفنى بأيدى أمهر الفنانيين
. والمهندسين العالميين
جوار القصر العظيم إسطبل متواضع للجياد كان هذا اﻹسطبل محل عمل الصغيرة هيلين كانت ترتبط هيلين بكل
.. حصان بشكل خاص جداً حتى إنها كانت تعطى أسمائاً لكل منهم
تعتنى باﻷحصنة الصغيرة من مأكل ومشرب ونظافة … تحب هيلين عملها وتحب اﻷحصنه وعندما كانا العشاق أصدقاءً
جدد كانوا يركضون سوياً بين اﻷحصنة الصغيرة وسط أشعة الشمس البرتقالية على التلة الخضراء تارة وأحياناً أخرى
.يمتطونها فيلهوا فى الهواء الطلق يشعرون بحرية اﻷحصنة تقتحم أنفاسهم
-52-
كانا هيلين وجيمى ينتظرون اللقاء الشهرى فى القصر على أحر من الجمر كانت تلك بمثابة النزهة الوحيدة لهم وسط إرهاق العمل المستمر طوال الشهر وجد الطفلين العزاء فى كل منهما اﻵخر فهيلين صديقة جيمى الوحيدة التى لاقى منها المحبة
. واﻷهتمام بعد كل المآسى التى تعرض لها و جيمى أيضاً صديقها الوحيد الذى تحمل معاناتها مع الكلام
كانا يركضان بفرح ناسيين كل ماضيهم الصعب وسط أشجار الفاكهة …. فالركض والسباق هو هروب من الذات
. المتذكره المآسى ليعود الفرح لقلبهم البرئ
عندما يأتى الحب بجبروت وثقه يتخفى ليُخفى قوتة الهائلة فنستهين به … يدخل الحب كالسارق فى بيت يوجد به صاحبه… فيستضيف السارق بقلب حار بكل ما لذ وطاب معلناً قبوله إحتلالأ سيغير حياته بفرح وعن طيب خاطر
السؤال هل نستطيع إخفاء حباً قد تملك منا؟
نستسلم لحباً عميقاً نستضيف هذا السارق بقلب مرحب … غير مدركين قوة وجبروت هذا اللص وإذ فجأة وفى ساعة غير متوقعه يعلن الحب إحتلاله ويرفع أعلامه معلناً النصر على بيتاً قد إحتواه وأستضافه… ليفرض قوانينه على هواه
ونقف نحن عاجزين منبهرين بما يحدث
ها هما يلعبان الغميضه كعادتهم بعد اﻹنتهاء من العمل هيلين تحاول اﻹختباء من جيمى وقررت اﻹختفاء وراء شجرة
الكستناء ها هو جيمى يبحث ويصيح هيلين أين أنت.؟؟…. هيلين!! …. هيلين !!! ذهب بإتجاه الشجرة وأخذ يدور بحزر
حولها هربت هيلين مسرعة ولكن جيمى حضن ظهرها مسرعاً كعادته و لكنه تلك المرة لم يستطع إفلاتها !! ظل
.يحتضنها لثوانٍ معدودات شعر جيمى بدقة معهودة قد `جتاحت قلبه البكر
…إختفت إبتسامة اللهو عن شفتيه وبادلته هيلين نظرته ولسان حالها يقول أنا أيضأً أشعر بما قد شعرت به
لم يجد جيمى فى قاموس الكلمات ما يعبر عن ما بداخله وجد نفسه أبكماً أمام عينيها … أقترب وجهه بتلقائية لوجهها إقتربت شفتاه من شفتيها … حولت هيلين رأسها مسرعة بعيداً…. حاولت اﻹفلات فتركها مزهولاًهرعت مسرعة
. واضعة يديها على ثغرها متفاجئة بما قد حدث من ثوان معدودة
نعم هذه الشجرة شجرة الكستناء التى شهدت ضعفه أمام قلبه المجروح فى طفولته فإحتمى بها من قطرات المطر…
… شهدت أيضاً ضعف قلبه أمام الحبيبة فإحتوته بظلها لتضم حباً فى مهده حباً صادقاً حباً بريئاً
-53-
وكالعادة لم تكتم شجرة الكستناء أسرار قلب جيمى فكما كشفت ضعف قلبه المكسور أمام السيد كارلوس منذ
.. أعوام مضت تكشف اليوم ضعف قلبه المتعاف بالحب لسوزى
.فقد كانت سوزى العدو المتابع الصامت الدائم لعلاقة جيمى بهيلين
إزدادت الغيرة فى قلب سوزى أكلتها نار الحقد بعد ما رأت ما قد رأته فى الحديقة تلك المرة تمنت بالفعل لو هى هيلين البكماء