الفصل السادس
أحياناً نضحى من أجل أن نتحاشى المخاطر ولكن عندما يحدث ما نخشاه فلا نجد أمامنا سوى
المخاطرة للحفاظ على ما قد تقبى من أطلال
ننظر دائماً للعين والمظهر نختار أناساً فى حياتنا ليكونوا محل ثقتنا ما إذا رأينا هذا الوجه الجميل والمظهر الراقى حتى نسعى للوصول الى القشريات ولا نحاول أن
نرى القلب الطيب المضحى متمسكين بالشكليات ومضحيين بالجوهر عن طيب خاطر وبعدها نشكو من الخيانة ولا خائناً إلا أنفسنا
تجلس مارى على كرسيها البنى يهتز تارة للأمام وتارة للخلف ينسدل شعرها البنى الفاتح حول عنقها
. كسلاسل العسل بشكل حريرى جذاب
وجهها قد تورد عندما شعر بدفئ الشاى الذى يستقر بثبات على شرفتها الكبيرة بجوار فراشها يتصاعد
.بخار الشاى فى ضوء الشمس الخافت فى هذا الصباح الثلجى
رغم برودة الهواء ونسماته الثلجية كان قلبها ينبض باعثاً الحرارة بأنحاء جسدها ينبض بنار الخوف بنار الكراهية … فلم تعد
تشعر بالبرودة القاسية فقرر جسدها النحيف رفض الصوف وأمرها بإرتداء ملابس النوم الحريرية البيضاء التى تعكس ضوء
الشمس لتبرز جمال بشرتها البيضاء الوردية اﻵخاذة فتعكس ملابسها البيضاء ضوء الشمس حيث يرفض جسدها الضعيف
. إمتصاص الطاقة الشمسية للتدفئتة
..إزدادت نار الفراق بمجمرة قلبها فكل ما قد مرت به يحتاج إلى البرودة وليس إزدياد إشتعالاً فوق الإشتعال
..أتت تريز من الخارج يوماً صباحاً كالمعتاد
دلفت تريز بيتها بعد عملها بالقصر فى نوبتها الليلية لم تدندن كعادتها
أثناء عملها بالطبخ أو التنظيف بل وقفت أمام باب حجرة مارى مترددة إن كانت ستقرع الباب
. و بعدها عزمت وقررت أن تقرع
سمعت مارى طرقه تلو اﻷخرى فقاومت سكوتها كعادتها قالت بصوت مبحوح وهى تعدل جلستها على كرسيها نعم
.. يا تريز تفضلى
.دلفت تريز الحجرة يسود الشحوب وجهها على غير العادة فأدركت مارى أنها تحمل أخباراً سيئة
….فقالت مارى بصلابة وهى ناظرة للعدم
مارى: ماذا هناك تريز ؟؟
.تريز: سيدتى أنا لا أحمل أخباراً جيدة
مارى بإهتمام : ماذا هناك ؟
هل إبنى بخير ؟؟؟
تريز : السيد ماثيو ؟؟
مارى:نعم؟
تريز : سمعت أنه قد إنتقل إلى السماء يا إبنتى … ثم استدركت الموقف مسرعة بإبتسامة أمل: ولكن بفضل هذا الخبر
. أيضاً تعرفنا على مكان السيد جيمى هو فى قرية (هيريفورشاير) اﻵن
عندها رجعت مارى مرة أخرى للإسترخاء على كرسيها الخشبى بدأت دموعاً تنسال وتنسال عسى أن تطفئ ناراً أكلت قلبها.. دموعاً تنسال على وجهاً جميلاً تحجر … إرتفعت عينيها إلى السماء فى شكل ما يشبه الدعاء وماذا ترى الا
.سقفاً حجرياً من صنع بشرى لتشعر بغياب الله وسكوته على ظلماً قد أحرق قلبها
.تريز: سيدتى هل أنتِ بخير؟
.مارى: نعم تريز إجلبى كرسى وتعالى إجلسى أمامى من فضلك
. تريز تطيع فى رهبة للموقف المؤسف وهى مطبقة الجبين وتجلس أمام مارى
مارى بجدية : تريز لا أحد لى سواكِ اﻵن أنتِ الوحيدة التى ساعدتنى بدون أدنى شك فى أخلاقى أو ولائى لعائلتى
كنت أرى يومياً نظرات التساؤل تغزو عينيك ولكنى قررت السكوت حتى أتحاشى ما أتحاشاه ولكن الكتمان لم يعد
. يجدى نفعاً
تريز: سيدتى أنا متيقنة إنك لم تخونى زوجك مطلقاً أنتِ ترعرعتى بين يدىّ وأنا أعلم إلى حد اليقين على ماذا قد تربيت
. كما أعلم مقدار محبتك وإخلاصك للسيد أنطونو الذى ضحى بالكثير ﻷجلِك
إبتسمت مارى إبتسامة مجاملة إزدادت عندها الدموع الصامتة المتحملة قائلة محاولة أن تتماسك وقد بدت
…عليها علامات اﻹصرار الشديد والمثابرة
مارى : أعرف ولكنى أحتاجك أكثر من أى وقتٍ قد مضى فى حياتى لقد هددنى تشالرز إن لم أهرب من البيت أنا –
.و أحد أبنائى خلال أسبوع سيقتل عائلتى بأكملها و أجبرنى على كتابة خطاباً يوحى بخيانتى الزوجية
تريز مزهولة : .آااه يا إبنتى أكل هذا بداخلك ؟!لقد ضحيتِ بسمعتك من أجل الحفاظ على حياة أحبائك ….ولكن لماذا ؟ لماذا يفعل ذلك ؟
….مارى : حتى تسوء سمعة العائلة وباﻷخص أبى حتى.
… تقاطعها تريز بهدوء : حتى يأخذ كرسى السيد ماثيو فى البرلمان لقد نحجت خطته القذرة عديم الشرف
.مارى :لم يكتفِ بهذا الحد لقد هددنى إذا حاولت اﻹتصال بأحد أفراد عائلتى سيقتلنى أنا ومن سأحاول اﻹتصال به
.تريز: لا تقلقى سأذهب أنا وأقول للسيد أنطونيو كل شئ
مارى بفزع: لا لا أياكِ فإن علم أنطونيو منك سيقوم تشالرز بقتل كل من قد عرف سره وقتها ستكون حياتى وحياتك وحياه أنطونيو فى خطر عندها من سيتبنى جيوفانى المسكين ؟ ألا يكفى غياب جيمى إبنى عن عينى ولا أعرف إن كان المسكين بصحة أم إعتلاه المرض ؟كما إنك تعلمين أنه لن يصدقك ﻷنه يعرف بشأن علاقتنا القوية لابد من المواجهة يا
تريز لا بد أن أجد أنطونيو وأخبره أننى لم أخنه حتى يتعافى من حزنه ويعيش ﻷجلى وﻷجل أولاده متخذاً التصرف
.اللائق مع تشارلز
….تريز : ولكن سيدتى
.تقاطعها مارى بإصرار : لقد قررت يا تريز ولا يوجد أمامى حلاً آخر
.تريز : كما تشائين سيدتى وماذا ستفعلين إذن إن ظهرتِ بالبلدة سيقتلك شارلز بالتأكيد
مارى: سأذهب فى منتصف الليل قولى ﻷنطونيو أن يكون عند جداول المياه الغربية الساعة الثالثة صباحاً
.بخصوص أمر غاية باﻷهمية ولا تقولى له من سيقابل
.تريز : سأفعل سيدتى
قامت مارى من فراشها فى تمام الساعة الحادية عشر حسب التوقيت المتفق عليه إقتربت من فراش جيوفانى النائم
مدت يديها بحنان على جبهته إبتسمت إبتسامة حزينة حانية فإمتلئت الدموع بعينها عندما تخيلت ما قد يحدث له
.!!!غدأً.. هذا طفل صغير وكيف سيواجهه الحياة بدون أمه
خائفة المسكينة أن تكون تلك هى النظرة اﻷخيرة ﻹبنها البرئ النائم الذى دخل حرباً لم يدرك وجودها من اﻷساس وبألم
وحسرة كتمت بكائها مسحت دموعها حتى لا تلمس جبين الصغير النائم فيستيقظ طبعت على جبينه قبلة وقامت وترجلت بهدوء وخفة إلى خارج الغرفة أغلقت باب غرفته خلفها بهدوء
…وجدت تريز جالسة تنظر لها بشفقة فقالت مارى
.مارى : تريز أنا ذاهبة اﻵن ولا أدرى إن كنت سأرجع مرة أخرى وهل سنستطيع أن نمر تلك اﻷزمة
. تريز: سيدتى أطال الله عمرك وأرجعك سالمة غانمة يا إبنتى
مارى: تقاطعها إن حدث لى أى مكروه أكدى لجيوفانى فكرة خيانتى ﻷبوه وأعلميه أنه إبن أنطونيو حتى يتركه تشالرز ويتركك أيضاً … جيوفانى ليس له أحداً من بعدى غيرك فلا تتخلى عنه مهما حدث أرجوكِ يا تريز وحافظى على سرى
ﻷمانك وأمانه إلى أن يصل جيوفانى لسن الرشد فيستطيع أن يواجهه تشالرز عندها قولى له الحقيقة وأوصيه يا تريز
. أن يبحث عن أخوه
.تريز: أنا أعرف إنك سترجعين سالمة غانمة ولسوف يتم لم شمل العائلة باذن الله ولكن أمرك سيدتى
. مارى: أتمنى ذلك وأرجو أن تدعى لى بسلامة أنطونيو وأنا.
.تريز: لم أتركك أبداً سيدتى سأبقى معك وسأذهب معك مهما كلفنى اﻷمر
.مارى: هذا لن يحدث أبداً يجب أن تكونى مع جيوفانى إن حدث لى مكروه ولمحوكى معى هذا سيكلفِك حياتِك
. أنتِ أيضاً عندها ستكونين شاهد عيان على جريمة قتل وقتها ستكونين أنتِ فى خطر وجيوفانى أيضاً سيكون وحيداً
….تريز: ولكن سيدتى
.مارى: يجب أن أرحل اﻵن صلى ﻷجلى
.تريز: الله معك إبنتى
تلفحت مارى بالملابس السوداء …. لا تدرى إن كانت تحمى جسدها من تسارع تساقط ثلوجاً فى ليل بارد أم أنها مدعوة
…لحفلة تنكرية للتخفِ من اﻷعداء
لا يظهر من ملامح وجهها إلا عيون لا تتحدث بالكثير إلا الرهبة والحذر…تنظر لها فلا تدرى إن كانت إمرأة جميلة
….أم رجلاً وسيماً
هرعت مارى لهواء قاسى البرودة فى عز الليل كأيامها الأخيرة وهى لا تدرى إن كانت تشعر بالبرد نتيجه السقيع
لخوفها مما ينتظرها .ها هى تتلفت كالسجين الهارب من سجنه … لتجد من يوصلها إلى بلدتها وجدت أخيراً من يقلها إلى
…البلدة سائق عربة بحصان يقودها شاب وسيم الملامح متمرد الطباع
…خرج بخار الماء من فمها فظهر صوتها اﻷنثوى
.مارى: بنى
.نظر الشاب نظرة فاحصة أجاب بجفاء
.الشاب : ماذا تريدين؟
مارى:أنا ذاهبة للبلدة … هل تستطيع أن تقلنى لهناك؟؟
نظر الشاب لها بنظرات مشمئزة من رأسها إلى أسفل قدميها ثم قال كم ستعطينى ؟
. مارى: ثلاثون إسترلين
.الشاب بتحدى : مائه وخمسون
عرفت مارى إنه يستغل الموقف حيث أنها سيدة وحيدة فى الطل وتحتاج من يقلها فثمن الركوبة بالكاد لا يتعدى
. الخمسة إٍسترلين
…ولكن ما تعانيه مارى من ضغط عصبى شديد أجبرها أن تتماشى مع الموقف بمرونة
. ذاهبة مارى ﻷنطونيو وهى لاتدرك إلى أى مدى قد وصلت حالته إنه تغير لدرجة أنه قد سبح فى غيبوبة السكر
تأملت مارى المسكينه حالها أثناء طريقها إلى البلدة وتذكرت كيف أن تضحياتها من أجلهم جميعاً ذهبت كالرماد فى
مهب الرياح العاتية تاركة القصر بالرغم عنها خسرت كل شىء لتحافظ على كل شىء ولا أحداً يعرف خبايا قصتها
. إلا هى
تعيش المسكينه ولا تعلم أين إبنها جيمى ماذا يفعل بدون جده وكيف إستقبل الصدمة ؟؟ تحولت نظراتها الحذرة إلى
.نظرات حزينة مرهقة ووجهاً كئيباً
حرمت من رؤيته أبيها للمرة اﻷخيرة حرمت من جلسة أخيرة حتى ولو على فراش موته فقط لتشرح له
ما حدث ..حتى يموت بفخر فلا يشعر أنه قد أضاع عمره هبائاً مع إبنتة الفاجرة ..حرمت حتى من حضور
.!!!!مراسم الدفن
.كانت تدرك المسكينه خطورة ما قد قررت فعلة للمسكين أنطونيو ولكن كانت تلك هى أفضل الحلول للحفاظ عليهم
.متحملة العبث بسمعتها وشرف عائلتها الكريمة فى سبيل الحصول على السلامة