Categories
رواية شموع احترقت

شموع إحترقت

Spread the love

الفصل الثانى

الفصل الثانى

أِشعة الشمس البيضاء تنشر خطوطها من بين اﻷشجار الطويلة لتصل لعيوناً صغيرة نائمة إستيقظت عيون الصغير

.متأثرة بقطرات المطر الغزير والبرودة الشديدة تنهش فى جسده النحيف

ملابس جيمى الهشة لم تعد تحتمل قطرات المطر الغزير على أنسجتها الرقيقة خذلته تلك الخيوط الرفيعة فشعر بالبرودة

.فهو لا يعتاد هذا المكان فالغابة مليئة بالنباتات والأشجار الخضراء الطويلة

وقع ليلة أمس فى الظلام الدامس بين اﻷشجار العملاقة

طرده جده صباح أمس من البيت بسبب إنسكاب اللبن من بين يديه الصغيرتين أرضاً فكان يشعر جيمى أنه قد

أذنب ذنباً لا يُغتفر أمام كمال جده الذى لا يخطىء أبداً مستسلماً لكل اﻹهانات والعبارات القاسية

.خاصة وأنه كان اللبن اﻷخير فى البيت

.إنهم يتحصلون على اللبن بندرة شديدة نظراّ لقلة مواردهم أو باﻷحرى ندرتها

فالجد قد أصابه العمى إثر الضربة القاسية التى تلقاها من زوج إبنته منذ شهور عدة هذا الجد السليط اللسان كان منذ

. شهوراً قليلة هادئ المشاعر متزناً نفسياّ يحب كل من حوله رغم حب اﻵخرين له للفائدة

فقد كان الجد ماثيو عضواً مهماً فى البرلمان البريطانى وكان من أعيان البلد وقد أصبح مؤخراً قائد منطقة حدودية

. وحصل على لقب ماركيز فقبل اﻷشهر القليلة الماضية كان فى يده السلطة والمال

!!لسوء حظه إنهار كل شئ قد بناه فى أعوام بين ليلة وضحاها مكتشفاً أن الصداقات شعاراتاً زائفة

هذا الجد الذى يحتاج للآخرين الآن.. كان يخدم ولكنه يجد فى خدمة اﻵخرين له مهانة لكرامته

واﻵن إنهارت كرامته أمام الجوع والمأوى….. هرب ﻷبعد قرية ممكنة عن المدينة خوفاً من اﻹهانات هروباً من سخرية

.اﻷصدقاء قبل اﻷعادى مدركاً كل المعانى الدخيلة على حياته من خزى وخيانة

الشىء الذى لم يستطع هذا الشيخ إدراكه ما قد فعلته إبنته به فقد حدث كل ما حدث بسبب تصرفها القاتل لجميع أفراد

.العائلة لقد تهربت من مسؤلياتها وحياتها مع زوجها وأسرتها لكى تكون مع عشيقها

!!!!!. فأى حب هذا الذى يجعل إبنة وزوجة وأم أن تترك كل شئ من أجل رجل قد عاشت معه قصة عشق

إن جِراحنا من أقرب اﻷقرباء لنا يُحوِل ضعفنا إلى قسوة … وتتحول آهاتنا إلى السب و حتى القذف أحياناً فنحن لا ندرك مقدار

. اﻷلم الذى إشتد على قلوبنا

ّ

يجلس عجوز محنى الظهر تسللت النحافة إلى جسده والشحوب إلى وجهه … يجلس على كرسى خشبى أمام مدخل الكوخ فى القرية البعيدة عن المدينة واضعاً رأسه بين يديه يرثى حاله ويؤنب نفسه كيف إستطاع أن يكسر قلب الصغير ويطرده … قائلاً بصوته المتهدل

ألم أكتفِ!!بطردة واحدة من أبيه منذ ستة أشهر ؟!!! حتى أفعل أنا نفس التصرف أيضاً؟

ماثيو هذا الذى دلل مارى إبنته كثيراً بعد وفاة والدتها وعاش من أجلها رافضاً الزواج…. هذا اﻷب الذى

.أحبها كل هذا الحب الصادق

كانت لديه الهيبة القوية أمام الجميع بشارب البشوات والبدلة التى تمتلى بجسده البدين الذى ينم عن عز مفرط

والساعة الذهبية المخبأة داخل الجاكيت اﻷسود فتنم عن رفعته من إظهار ترفه وغناه كأنما يقول أنى لا أحتاج أن

. أريك غناى فهو واضح كوضوح الشمس بكبد السماء

كان من القلائل الذين يرتدون نظارة فى زمنه و كانت نظارته الدائرية الشكل ذو الجدار الفضى

اللامع الرقيق لا تخفى ملامح وجهه المرنة والجادة أيضاً فكانت بشرته وردية وحواجبه غزيرة ناعمة سوداء إقتحمها

. الزمن ببعض الشعيرات البيض

أما جيمى طفلاً مسكيناً

صغيراً لا يتعدى الثمانى سنوات كأخوه التوأم جيوفانى كانا يتميزان بشعر حريرى أسود وعينهم سوداء كعين أبيهم اﻷمير الهندى سابقاً يتميزان بطول قامتهم بالنسبة ﻷعمارهم الصغيرة

. وبأناقتهم التى لم تقل أبداً عن أناقة جدهم ماثيو وأبوهم أنطونيو

تركت مارى كل ذلك مع خطاباً إهتزت له أعمدة القصر مصدومة من هول الفاجعة….تركت خطاباً فإنقلبت حياة الكل رأساً على عقب تركت

خطاباً تقول فى ثناياه إنها

!!!. قد سأمت الحياة مع أنطونيو و قررت الرحيل مع آخر

. وقعت بحبرٍ بارد مارى

تركت قفاذاً لجيمى منقوش علية إسم جيوفانى أخوه

تأتينا الصدمه وعندما لا يتسع إدراكنا المدلل الرقيق لجبروت وقسوة الموقف فيترجم الجميع سكوتنا تبلد وفجأة ندرك عمق

.مأساتنا أمام موقف عابر فتنهار قوانا البريئة فنشعر بتلك القبضة القوية فى القلب

أفاق جيمى من غفوته إتعدل من نومته أرضاً على العشب اﻷخضر الرطب لا يدرى إن كان خائفاً من وحدته فى وسط

. غابة لا يعرفها أم أنه يحتاج لمن يُسّهِل عليه قسوة الطريق ووحشتة فأخذ يدور بفزع فى الغابة بعينان حائرتان

وصاح بفزع

!!! جدى

. تعالى صوته أكثر وإزدادت الخنقة فى حلقه مدركاً خطورة موقفه فى مكان مجهول

!!جدى

..تعالى صوته الفازع أكثر فأكثر

!!!جدى

. وعندما أدرك أنه وحيداّ فى غابة غير مألوفة بالمرة صرخ والبكاء يجتاح وجهه البرئ يتهز جسده الضعيف المرتعش خوفاّ وبرودة

!!جدى أين انت ؟

سكت فجأة من دورانه جلس أرضاً إتكأ على شجرة الكستناء لتحتويه فتمنع القليل من أسهم مائية قاسية وضع ذراعيه على ركبتيه وضع رأسه على ذراعيه قال بصوته

. الطفولى الباكى بيأس وحسرة

!! أمى أمى

.إزدادت الخنقة فى حلقه المتألم.

إنى أريد أمى

.لماذا ؟؟ لماذا قلت يا أبى إننى لست إبنك؟؟فأانا أحبك يا أبى؟؟

. أريد أن العب مع جيوفانى

هذا الحوار الذاتى ما هو إلاّ تيقظ نفسى لما يدور حوله لقد حدث ما حدث منذ أشهر

و جيمى الصغير لم يُبد أية ردة فعل تجاه ما حدث لقد كانت اﻷحداث أسرع و أقسى مما يجب بحيث لا

.يستطيع الصغير أن يترجم هذه اﻷحداث لمشاعر فورية تجبره على بالبكاء أو حتى اﻹدراك

. بكى الصغير ﻷول مرة بكاءً حاداً مكتوماً مبحوحاً ممتلئاً بالخوف والحزن والوحدة

ها هو رجل فى منتصف العقد الرابع من عمره هزيل الجسد ثارت شعيراته البيض على شعره اﻷسود فأصبح يظهر بعمر أكبر من عمره رجلاً قد إنتهى فى عمله بحديقة قصراً عريق اﻵن يسمع أنين طفولى على غير العادة فى مكان موحش إنتبه الرجل للصوت ذهب بحرص وفضول

تجاه الصوت ليجد هذا الطفل الصغير يبكى

.السيد كارلوس: بنى

..جيمى ينظر فجأة لأعلى نحو الصوت

السيد كارلوس: ماذا تفعل هنا؟

.جيمى بصوته الطفولى الباكى : لقد تهت بالغابة

السيد كارلوس: تلك ليست غابة بنى هذه حديقة قصر كروفتحقاً لا أعرف ما بالكم أيها اﻷولاد تلعبون وتلتهون

.وتتركون آبائكم فى القلق الدائم عليكم تعالى معى بنى سأوصلك لمدخل القرية

كان الصمت بطل رحلتهم إلى البيت وصل السيد كارولس ووصل جيمى إلى بيته

. الجديد وبمجرد مغادرة السيد كارلوس تغيرت وجة الصغير فلم يذهب لجده

By ساره عزت

ان لم ينعم الكاتب بالفائده والتعلُم من كتاباته فلم ينعم بالفائدة أحد

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *