عندما تزداد الضغوطات على كاهلنا نلجأ أحياناً إلى اﻹنكار … حيلة نفسية نستخدمها عندما لا نتقبل الواقع فنغلف ما نتمناه بالحجج المنطقية …..تبهت الحقيقة من أساسها ومن هنا يسهل إنكارها… حينها نستطيع إستكمال مسيرتنا
الحياتية بشكل سوى
وتأتى اﻷيام نلتهى فى تفاصيلها الهشة متناسين ما يوجعنا بحق…. وإذا ما تذكرناه نرجع لننظر إلى أمنياتنا المغلفة بالمنطق …. فننسى الحقيقة وتدفن بأعماق أعماقنا
دوت حادثة مقتل مارى وأنطونيو فى أقطار إنجلترا وصلت اﻷحداث لمسامع جيمى ….رفض عقل جيمى
. التصديق … تمنى لو كانوا أحياء يرزقون فغلف أمنيته بالمنطق حيث أنهم يستحيل أن يموتا سوياً وهما على
.خلافاً شديداً
تمر اﻷيام والسنون القليلة وصل جيمى لسن الحادى عشر و أتمت هيلين سن التاسعة كانت حياتهما مليئة بالجِد والإجتهاد لكسب الرزق
واﻹجتهاد لكسب الرزق فمنذ بزوغ الفجر يستيقظ جيمى ليوصل هيلين إلى القصر حيث أنها تعتنى بأحصنة القصر الصغيرة …يذهب إلى النهر ليصتاد السمك مع العم كارلوس …ثم يجرى لحلقة السمك لياخذ مكانه فيبيع اﻷسماك
.يفاصل مع هذا ويجامل ذاك ….عند الغروب يأخذ أموالاً من العم كارلوس لشراء الطعام
يذهب العم الكارلوس للقصر ﻹصطحاب هيلين إلى البيت … وينتظر جيمى فى البيت لحين رجوع العم كارلوس وهيلين
.ليقضوا وقت العشاء فى بيتهم الخشبى البسيط على أضواء شموع تنير المساء
شهرياً يذهب جيمى والعم كالورس إلى القصر لتقليم أوراق الشجر وتهذيبها …جيمى يعمل بكل قدرته مسرعاً بجد حتى ينهى عمله فيساعد هيلين فى عملها ينجزوا العمل مسرعين ليلعبوا بأحصنة القصر الصغيرة وتارة يلعبون بين
….أشجار الفاكهة فى الحديقة الملحقة بالقصر فى وقت حلول أشعة الشمس الذهبية على التلة الخضراء
يتعبون فيسترخون على العشب اﻷخضر تستند هيلين برأسها على أكتاف جيمى الشاب الصغير
ووسط هذا اﻹستقرار لم يفقد جيمى اﻷمل للقاء أخوه ولم يترك فرصة إلاّ وبحث عن أخوه …. كان يخصص يوماً شهرياً ليبحث عن أخوه فى البلاد المجاورة ولكن دون طائل…. لم يعلم جيمى أنه يبحث عن ديفيد وليس جيوفانى فكان
أفاقت مارى من ذكرياتها على الواقع لتجد شفتيها مبتسمة إبتسامة العذراء يوم
. لقائها بالعريس و فجأة تذكرت الوضع الراهن و سرعان ما تحولت إبتساماتها إلى الخوف والترقب مرة أخرى
لم يطول إنتظار مارى حتى رأت رجلاً نحيفاً طويلاً شبه مترنح على الكوبرى فقامت من جلستها لتمعن النظر به
…وكلما إقترب حبيبها تأكدت أنه هو أنطونيو
إزدادت ضربات قلبها كلما إقترب وها هو حبيبى كم إشتقت إليك حبيبى شعرت بقبضة يدة تحوى قلبها النابض
تسارعت اﻷنفاس حتى شعرت لوهلة أن السماء قد إنتقلت إلى اﻷرض إقترب أنطونيو أكثر فأكثر ومر من أمامها
!! فهو لم يتعرف عليها
فضمت مارى زراعه بيديها بخفة خفية فى ضوء القمر البدر شعر أنطونيو أنها لمسات يدها المعهودة التفت للوراء فوراً وقد غابت السكرة عن عينيه التى تسبح بعشق فى عينيها ولم يمر ثوانِ حتى سمعا كلاهما صوت صفعة قوية على
وجهها شعرا كلاهما بقوة الصفعة بيد العاشق لمعشوقته وفجأة أفاقوا كلاهما على أحضاناً غاضبة وضربات قوية
.لقلوب قد تلاقت بعد حرمان حتى كادت أن يُسمع صداها لمسامع اﻷعداء
قال بصوت التحدى المكتوم العرق يتصبب من جبهته فى الجو المثلج يخرج مع كلماته بخار الماء الدافئ
…. المتصاعد من قلباً قد إحترق
..أنطونيو: ضربات قلبك يا مارى تتزايد وتتحد بضربات قلبى كالعادة
فكيف إستطاع هذا القلب خياتنى ؟؟ أضربات قلبك تلك ضربات عشق لى أم خوف منى؟
هل لازلتى تحبينى أم تركك عشيقك الذى تركتينى ﻷجله؟؟ هل تركتينى ﻷجله ﻷنى عصبى وكثير اﻹنفعال ؟
…إزدادت قبضة زراعيه حول خصرها فتألمت وأكمل قائلاً وهو يجز على أسنانه
لقد قلت لكِ أنى سأحاول أن أتغير ﻷجلك كيف إستطعتِ يا مارى؟؟ كيف خنتيني ؟أكنتٍ تفعلى معه ما أعتدنا أن نفعله معاً؟هاا؟
هل كان قلبك يدق وأنتٍ معه مثلما يدق وأنتِ معى اﻵن؟
هل أحببتيه مثلما أحببتينى ؟؟؟ هل أحببتيه ؟ ها؟ إهتز جسده وهو يحرك مارى فأهتزت خصلات شعره السوداء
.النديه ثم صرخ : أجبينى
…ثم إحتضنها بقوة أكبر كادت تعتصرها فصرخت مارى صرخة باكية متألمة
فقال بصوت مرتفع باكى كالصغار : أجبيينى هل أنتٍ مارى أم خيالها الذى جائنى من السكر ؟؟
…مارى بصوتها الباكى المكتوم الحذر من اﻷعداء: أخفض صوتك أرجوك
. ثم تابعت بعد أن تلفتت حولها : تشارلز يا أنطونيو تشارلز هو سبب كل المتاعب حبيبى
!!!عندها فقط .. إسترخت يداه وقال بفضول مستفسراً : تشارلز ؟؟؟
مارى بهمس باكٍ: نعم تشارلز لقد هددنى الخسيس أن أكتب تلك الرسالة اللعينه لكى تنهار سمعة أبى فيطرد من
البرلمان ويأخذ هو الكرسى البرلمانى ولقب أبى بدلاً منه وقال لو قررت العصيان سيقتلكم جميعاً …وسيقتل أيضاً
… من سأحاول اﻹتصال به
وجدت أنكم تموتون أمامى فى كل اﻷحوال فلم يعد أمامى إلا أن أخاطر بحياتك وحياتى لكى نجد حلاً
لتقف أمام هذا الخسيس هل تصدقنى يا أنطونيو ؟
…أنطونيو ينهال على مارى بقبلاته الحاره الباكية بأنحاء وجهها يقول أثناء قبلاته المبتهجه
. أنطونيو : لماذا…. لماذا لم تتكرينى أموت على يد تشارلز.؟….أهون عليّ ..من….. من شعورى برفضك لى حبيبتى
. إحتضنها بشدة وأردف قائلاً يا مارى إن موتى على يد تشارلز كان أهون من شعورى بخيانتك لى
….مارى وقد تركت جسدها بين زراعيه مستسلمة لقبلاته مغمضة العينين : أنطونيو حبيبى
..كيف لى أن أعيش….. فى تلك الحياة البائسة وأنا أعلم أنك لست بها حبيبى …..حياتكم عندى أهم من أى شئ
. آخر يا حبيبى
.شعرت بحركة فتحت عينها رأت رجلاً يصوب مسدسه نحو أنطونيو
…!!تسمرت مارى فجأة …شعر أنطونيو بتصلبها نادت بأعلى صوت خلقها به الله: أنطونيو إحترس
أخذت مكانه فى لحظة و فى لحظة أخرى فقدت القدرة على الوقوف حملها أنطونيو و ركع ورأسها بين أحضانه
…فوجد الدماء بصدرها
!!!. صاح فزعاً بصوت صارخ : مااارى
مارى تقاوم أنفاسها التى تأبى الرجوع لرئتيها تكافح حتى تفتح عينها : جيوفانى عند تريز إبحث عن
.جيمى فهو فى قريه (هيريفوردشاير) …إهرب حبيبى أأأسرع
تأخذ منا الحياة أناس أحببناهم بصدق والدنيا أحياناً تسعى جاهدة لتأتى لنا بالبديل
فتح جيمى عينيه وجد نفسه بغرفة غريبة شعر الصغير بخنقة خفيفة فى حلقه فتذكر ماحدث عدّل من نومته ..إتكئ
….على الوسادة مسترجعاً أحداث يومه المشؤم
شيئاً فشيئاً بدأت عينيه الذابلتين تعبر عن حزنها فسالت دموعه المكتومة على وجنتيه تصلب ذقنه
تطبقت شفتاه ووجد أنفه يسيل على غير العادة إزدادت الخنقة فى حلقه وإرتفع بكاؤه المكتوم إلى ماهو أعلى فأعلى حتى فقد السيطرة على نفسه فإزداد البكاء بشكل هستيرى مسترجعاً طرده من القصر من أقرب المقربيين فلم يجد بداً من
دفن رأسه بالوسادة لكتم صوته الباكى متذكراً غياب حنان أمه وغياب أخوه وموت جده و كل ما قد تبقى من الماضى
والآن لم يتبق له إلا القفاز المنقوش بإسم جيوفانى أخوه اﻷوحد وذكريات الماضى فإزداد البكاء وإزداد
.حتى شعر بأيدى صغيرة على إحدى كتفيه
هرب البكاء فجأة ومسح دموعه بهمة فى أكمامه خائفاً من ظهور ضعفه أمام اﻵخرين أدار وجهه اﻷحمر ليجد
.الطفلة التى رئاها على لحافة النهر تنظر اليه
ففرد الصغير ذراعه وضع رأسه عليها وأدار وجهه إلى الطفلة الصغيرة التى يسبقها بعامين … تحولت عيناه
الذابلتين عنها ونظر فى العدم رغماً عنه وبدأت عيناه تدمع للمرة الثانية فتحركت يديها الصغيرة من كتفيه إلى
وجنتيه فنظر فى عينها نظرة طويلة فمازالت دموعه تهرب دون رقيب نظرت عينيه مرة أخرى للعدم وبدت
. عليه علامات الهدوء واﻹستسلام
هرعت الصغيرة خارج الغرفة فنظر إليها…. فإذا بها تختفِ عن أنظاره فنظر للباب التى خرجت منه منتظراً رجوعها
.ولكن سرعان ما تحولت عينيه للعدم مرة أخرى غير مبالِ بغيابها
شعر بقدميها فى غرفته مرة أخرى فنظر إلى الباب ملتفتاً للإهتمام الذى تظهره الصغيرة فوجد بيدها صحن أبيض صغير
عميق فإفتربت منه ووقفت مرة أخرى بجوار فراشه وضعت الصحن بجوار وجهه فنظر بالصحن ليجد أربعة حبات من
.العنب اﻷحمر
أخذت الفتاة حبة عنب بيديها الصغيرة ووضعتها على شفتيه الذابلة فأشار بالرفض . فوجدها تضع حبة العنب فى فمها
فأخذت الحبة اﻷخرى ووضعتها أيضاً على فمه فرفض أيضاً فلم تجد بداً من عصر العنبة بأصابعها الصغيرة على شفتيه
.فنزل عصير العنب على شفتيه
إرتوت شفتيه الذابلة نظر اليها متفاجئاً بما قد فعلته تلك الصغيرة إبتسمت الصغيرة بدورها إبتسامة نصر رقيقة وصامته
وضعت حبة العنب قبل اﻷخيرة على شفتيه ففتح فمه ليأكل للمرة اﻷولى بعد مرور يوماً كاملاً من اﻹجهاد
.النفسى والعصبى إبتسمت الفتاة فطبعت على جبينه قبلة سريعة بريئة
….ظهر فجأة صوت والد الطفلة العم كارلوس مماسكاً بإناء يحتوى كسرة خبز مع قطعة جبن وتفاحة
أردف العم كارلوس بروح تلقائية بها بعض اﻹبتهاج الهادئ: هل أعطتك هيلين من عنبها اﻷحمر التى توفره لنفسها إسبوعياً؟
هى تعشق العنب اﻷحمر ثم ركع على اﻷرض بجوار فراش جيمى وأكمل كلامه بهمس جاد فى أذن الصغير :أستطيع أن
أقول لك إنك قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه اليوم وقد أخذت مرتبة كبيرة فى قلب هيلين الصغيرة لتتنازل لك عن عنبها
ا
كانت هيلين الصغيره تقف بجوار أبيها تستمع لكلماته بإبتسامة بريئة على وجهها اﻷبيض الجميل وتحمل قطتها الصغيرة
. الرومادية اللون بين أحضانها
نظر جيمى إليها نظرة لا تحمل الكثير من المعانى ولكنه على أى حال قد إفتقد وجودشخصاً بتلك الحياة يهتم ﻷمره
بدافع الحب ورغم ذلك سيطرت عليه عينيه فىنظر للسراب مرة أخرى فشعر والد هيلين بخيبة أمل طفيفة ولكنه لم يستسلم
… فتحولت ملامح وجهه من القلق على الصغير إلى اﻹبتسامة مرة أخرى قائلاً
العم كارلوس : ما رأيك أن تأتى معى للمزرعة ؟؟ فأنا بستانى بقصر كروفت الذى كنت تائهاً به من قبل فأنا هناك
أهذب أوراق اﻷشجار شهرياً وأعتنى بنباتات القصر أحياناً… هناك حيث تستطيع أن ترى غروب الشمس من فوق
.التلة وتلعب مع هيلين بأحصنة القصر الصغيرة
…نظر جيمى إلى كارلوس والد هيلين بنظرة ملئية بسراب المشاعر وفمه الحزين ينذر بغضبه المكتوم
فقال العم كارلوس بجدية لجيمى : إن كنت لا تريد أن تأتى معى فهذا يرجع لك ولكن يجب أن تأكل سأخرج اﻵن حتى
. لا أتأخر عن موعد عملى
إعتدل العم كارلوس والد هيلين وقام من سجدته أرضاً أمام فراش الصغير .وضع الوعاء على المنضدة وإتجه نحو الباب
قائلا بصوت مرتفع: هيلين إعتنى به لحين عودتى من العمل فأنا لن أذهب للصيد اليوم يجب أن يأكل جيداً أسرعت
.
هيلين وراء أبيها وعند الباب أعطاها والدها كارلوس قبلتها اليومية وإنصرف للعمل
أحياناً نضحى من أجل أن نتحاشى المخاطر ولكن عندما يحدث ما نخشاه فلا نجد أمامنا سوى
المخاطرة للحفاظ على ما قد تقبى من أطلال
ننظر دائماً للعين والمظهر نختار أناساً فى حياتنا ليكونوا محل ثقتنا ما إذا رأينا هذا الوجه الجميل والمظهر الراقى حتى نسعى للوصول الى القشريات ولا نحاول أن نرى القلب الطيب المضحى متمسكين بالشكليات ومضحيين بالجوهر عن طيب خاطر وبعدها نشكو من الخيانة ولا خائناً إلا أنفسنا
تجلس مارى على كرسيها البنى يهتز تارة للأمام وتارة للخلف ينسدل شعرها البنى الفاتح حول عنقها . كسلاسل العسل بشكل حريرى جذاب
وجهها قد تورد عندما شعر بدفئ الشاى الذى يستقر بثبات على شرفتها الكبيرة بجوار فراشها يتصاعد .بخار الشاى فى ضوء الشمس الخافت فى هذا الصباح الثلجى
رغم برودة الهواء ونسماته الثلجية كان قلبها ينبض باعثاً الحرارة بأنحاء جسدها ينبض بنار الخوف بنار الكراهية … فلم تعد تشعر بالبرودة القاسية فقرر جسدها النحيف رفض الصوف وأمرها بإرتداء ملابس النوم الحريرية البيضاء التى تعكس ضوء الشمس لتبرز جمال بشرتها البيضاء الوردية اﻵخاذة فتعكس ملابسها البيضاء ضوء الشمس حيث يرفض جسدها الضعيف . إمتصاص الطاقة الشمسية للتدفئتة
..إزدادت نار الفراق بمجمرة قلبها فكل ما قد مرت به يحتاج إلى البرودة وليس إزدياد إشتعالاً فوق الإشتعال
..أتت تريز من الخارج يوماً صباحاً كالمعتاد
دلفت تريز بيتها بعد عملها بالقصر فى نوبتها الليلية لم تدندن كعادتها أثناء عملها بالطبخ أو التنظيف بل وقفت أمام باب حجرة مارى مترددة إن كانت ستقرع الباب . و بعدها عزمت وقررت أن تقرع
سمعت مارى طرقه تلو اﻷخرى فقاومت سكوتها كعادتها قالت بصوت مبحوح وهى تعدل جلستها على كرسيها نعم .. يا تريز تفضلى .دلفت تريز الحجرة يسود الشحوب وجهها على غير العادة فأدركت مارى أنها تحمل أخباراً سيئة
….فقالت مارى بصلابة وهى ناظرة للعدم
مارى: ماذا هناك تريز ؟؟ .تريز: سيدتى أنا لا أحمل أخباراً جيدة مارى بإهتمام : ماذا هناك ؟ هل إبنى بخير ؟؟؟ تريز : السيد ماثيو ؟؟ مارى:نعم؟ تريز : سمعت أنه قد إنتقل إلى السماء يا إبنتى … ثم استدركت الموقف مسرعة بإبتسامة أمل: ولكن بفضل هذا الخبر . أيضاً تعرفنا على مكان السيد جيمى هو فى قرية (هيريفورشاير) اﻵن
عندها رجعت مارى مرة أخرى للإسترخاء على كرسيها الخشبى بدأت دموعاً تنسال وتنسال عسى أن تطفئ ناراً أكلت قلبها.. دموعاً تنسال على وجهاً جميلاً تحجر … إرتفعت عينيها إلى السماء فى شكل ما يشبه الدعاء وماذا ترى الا .سقفاً حجرياً من صنع بشرى لتشعر بغياب الله وسكوته على ظلماً قد أحرق قلبها
.تريز: سيدتى هل أنتِ بخير؟ .مارى: نعم تريز إجلبى كرسى وتعالى إجلسى أمامى من فضلك
. تريز تطيع فى رهبة للموقف المؤسف وهى مطبقة الجبين وتجلس أمام مارى
مارى بجدية : تريز لا أحد لى سواكِ اﻵن أنتِ الوحيدة التى ساعدتنى بدون أدنى شك فى أخلاقى أو ولائى لعائلتى كنت أرى يومياً نظرات التساؤل تغزو عينيك ولكنى قررت السكوت حتى أتحاشى ما أتحاشاه ولكن الكتمان لم يعد . يجدى نفعاً تريز: سيدتى أنا متيقنة إنك لم تخونى زوجك مطلقاً أنتِ ترعرعتى بين يدىّ وأنا أعلم إلى حد اليقين على ماذا قد تربيت . كما أعلم مقدار محبتك وإخلاصك للسيد أنطونو الذى ضحى بالكثير ﻷجلِك
إبتسمت مارى إبتسامة مجاملة إزدادت عندها الدموع الصامتة المتحملة قائلة محاولة أن تتماسك وقد بدت …عليها علامات اﻹصرار الشديد والمثابرة
مارى : أعرف ولكنى أحتاجك أكثر من أى وقتٍ قد مضى فى حياتى لقد هددنى تشالرز إن لم أهرب من البيت أنا – .و أحد أبنائى خلال أسبوع سيقتل عائلتى بأكملها و أجبرنى على كتابة خطاباً يوحى بخيانتى الزوجية
تريز مزهولة : .آااه يا إبنتى أكل هذا بداخلك ؟!لقد ضحيتِ بسمعتك من أجل الحفاظ على حياة أحبائك ….ولكن لماذا ؟ لماذا يفعل ذلك ؟ ….مارى : حتى تسوء سمعة العائلة وباﻷخص أبى حتى. … تقاطعها تريز بهدوء : حتى يأخذ كرسى السيد ماثيو فى البرلمان لقد نحجت خطته القذرة عديم الشرف .مارى :لم يكتفِ بهذا الحد لقد هددنى إذا حاولت اﻹتصال بأحد أفراد عائلتى سيقتلنى أنا ومن سأحاول اﻹتصال به .تريز: لا تقلقى سأذهب أنا وأقول للسيد أنطونيو كل شئ مارى بفزع: لا لا أياكِ فإن علم أنطونيو منك سيقوم تشالرز بقتل كل من قد عرف سره وقتها ستكون حياتى وحياتك وحياه أنطونيو فى خطر عندها من سيتبنى جيوفانى المسكين ؟ ألا يكفى غياب جيمى إبنى عن عينى ولا أعرف إن كان المسكين بصحة أم إعتلاه المرض ؟كما إنك تعلمين أنه لن يصدقك ﻷنه يعرف بشأن علاقتنا القوية لابد من المواجهة يا تريز لا بد أن أجد أنطونيو وأخبره أننى لم أخنه حتى يتعافى من حزنه ويعيش ﻷجلى وﻷجل أولاده متخذاً التصرف .اللائق مع تشارلز ….تريز : ولكن سيدتى .تقاطعها مارى بإصرار : لقد قررت يا تريز ولا يوجد أمامى حلاً آخر .تريز : كما تشائين سيدتى وماذا ستفعلين إذن إن ظهرتِ بالبلدة سيقتلك شارلز بالتأكيد مارى: سأذهب فى منتصف الليل قولى ﻷنطونيو أن يكون عند جداول المياه الغربية الساعة الثالثة صباحاً .بخصوص أمر غاية باﻷهمية ولا تقولى له من سيقابل .تريز : سأفعل سيدتى
قامت مارى من فراشها فى تمام الساعة الحادية عشر حسب التوقيت المتفق عليه إقتربت من فراش جيوفانى النائم مدت يديها بحنان على جبهته إبتسمت إبتسامة حزينة حانية فإمتلئت الدموع بعينها عندما تخيلت ما قد يحدث له .!!!غدأً.. هذا طفل صغير وكيف سيواجهه الحياة بدون أمه
خائفة المسكينة أن تكون تلك هى النظرة اﻷخيرة ﻹبنها البرئ النائم الذى دخل حرباً لم يدرك وجودها من اﻷساس وبألم وحسرة كتمت بكائها مسحت دموعها حتى لا تلمس جبين الصغير النائم فيستيقظ طبعت على جبينه قبلة وقامت وترجلت بهدوء وخفة إلى خارج الغرفة أغلقت باب غرفته خلفها بهدوء …وجدت تريز جالسة تنظر لها بشفقة فقالت مارى
.مارى : تريز أنا ذاهبة اﻵن ولا أدرى إن كنت سأرجع مرة أخرى وهل سنستطيع أن نمر تلك اﻷزمة . تريز: سيدتى أطال الله عمرك وأرجعك سالمة غانمة يا إبنتى مارى: تقاطعها إن حدث لى أى مكروه أكدى لجيوفانى فكرة خيانتى ﻷبوه وأعلميه أنه إبن أنطونيو حتى يتركه تشالرز ويتركك أيضاً … جيوفانى ليس له أحداً من بعدى غيرك فلا تتخلى عنه مهما حدث أرجوكِ يا تريز وحافظى على سرى ﻷمانك وأمانه إلى أن يصل جيوفانى لسن الرشد فيستطيع أن يواجهه تشالرز عندها قولى له الحقيقة وأوصيه يا تريز . أن يبحث عن أخوه .تريز: أنا أعرف إنك سترجعين سالمة غانمة ولسوف يتم لم شمل العائلة باذن الله ولكن أمرك سيدتى . مارى: أتمنى ذلك وأرجو أن تدعى لى بسلامة أنطونيو وأنا. .تريز: لم أتركك أبداً سيدتى سأبقى معك وسأذهب معك مهما كلفنى اﻷمر
.مارى: هذا لن يحدث أبداً يجب أن تكونى مع جيوفانى إن حدث لى مكروه ولمحوكى معى هذا سيكلفِك حياتِك . أنتِ أيضاً عندها ستكونين شاهد عيان على جريمة قتل وقتها ستكونين أنتِ فى خطر وجيوفانى أيضاً سيكون وحيداً ….تريز: ولكن سيدتى .مارى: يجب أن أرحل اﻵن صلى ﻷجلى .تريز: الله معك إبنتى
تلفحت مارى بالملابس السوداء …. لا تدرى إن كانت تحمى جسدها من تسارع تساقط ثلوجاً فى ليل بارد أم أنها مدعوة …لحفلة تنكرية للتخفِ من اﻷعداء لا يظهر من ملامح وجهها إلا عيون لا تتحدث بالكثير إلا الرهبة والحذر…تنظر لها فلا تدرى إن كانت إمرأة جميلة ….أم رجلاً وسيماً هرعت مارى لهواء قاسى البرودة فى عز الليل كأيامها الأخيرة وهى لا تدرى إن كانت تشعر بالبرد نتيجه السقيع لخوفها مما ينتظرها .ها هى تتلفت كالسجين الهارب من سجنه … لتجد من يوصلها إلى بلدتها وجدت أخيراً من يقلها إلى …البلدة سائق عربة بحصان يقودها شاب وسيم الملامح متمرد الطباع
…خرج بخار الماء من فمها فظهر صوتها اﻷنثوى
.مارى: بنى
.نظر الشاب نظرة فاحصة أجاب بجفاء
.الشاب : ماذا تريدين؟ مارى:أنا ذاهبة للبلدة … هل تستطيع أن تقلنى لهناك؟؟ نظر الشاب لها بنظرات مشمئزة من رأسها إلى أسفل قدميها ثم قال كم ستعطينى ؟ . مارى: ثلاثون إسترلين .الشاب بتحدى : مائه وخمسون
عرفت مارى إنه يستغل الموقف حيث أنها سيدة وحيدة فى الطل وتحتاج من يقلها فثمن الركوبة بالكاد لا يتعدى . الخمسة إٍسترلين …ولكن ما تعانيه مارى من ضغط عصبى شديد أجبرها أن تتماشى مع الموقف بمرونة . ذاهبة مارى ﻷنطونيو وهى لاتدرك إلى أى مدى قد وصلت حالته إنه تغير لدرجة أنه قد سبح فى غيبوبة السكر
تأملت مارى المسكينه حالها أثناء طريقها إلى البلدة وتذكرت كيف أن تضحياتها من أجلهم جميعاً ذهبت كالرماد فى مهب الرياح العاتية تاركة القصر بالرغم عنها خسرت كل شىء لتحافظ على كل شىء ولا أحداً يعرف خبايا قصتها . إلا هى
تعيش المسكينه ولا تعلم أين إبنها جيمى ماذا يفعل بدون جده وكيف إستقبل الصدمة ؟؟ تحولت نظراتها الحذرة إلى .نظرات حزينة مرهقة ووجهاً كئيباً
حرمت من رؤيته أبيها للمرة اﻷخيرة حرمت من جلسة أخيرة حتى ولو على فراش موته فقط لتشرح له ما حدث ..حتى يموت بفخر فلا يشعر أنه قد أضاع عمره هبائاً مع إبنتة الفاجرة ..حرمت حتى من حضور .!!!!مراسم الدفن
.كانت تدرك المسكينه خطورة ما قد قررت فعلة للمسكين أنطونيو ولكن كانت تلك هى أفضل الحلول للحفاظ عليهم
.متحملة العبث بسمعتها وشرف عائلتها الكريمة فى سبيل الحصول على السلامة
نلتمس اﻷعذار لمن يخطئ بحقنا ونتمادى فى التماس اﻷعزار حتى وإن قمنا بإدانة أنفسنا أحياناً …. نحن نرفض أخطاء اﻵخرين فى حقنا بتلك الطريقة المبدعةهذه الطريقة المبدعة تجعلنا نتصالح مع اﻵخرين … ونفقد فى المقابل ثقتنا بأنفسنا رغم حماقات اﻵخرين كباراً كانوا أو صغاراً…. ها هو الطفل الصغير يتذكر أيامه الخوالى مع أخوه جيوفانى أثناء سيره للنهر لصيد القليل من السمكفقد كانت واحدة من مهام معلمين القصر تلقين اﻷخوان حرفة الصيد بكافة أشكاله وذلك بناءً على أمر من والدهم السيد أنطونيو.كانا الطفلان يعشقان الصيد ويجدون فيه التسلية والترفيه لذلك تميزوا بهذا المجال وأحبوه حباً جماًتفكر جيمى لربما يستطيع أن يصطاد بعض اﻷسماك ويقوم ببيعها كخطة مستقبلية ولكن أين المعارف؟.فهو فى قرية غريبة عنه وغريب عنها فالحل اﻵن هو التعرف على سوق السمك الخاص بالقرية ليبيع فيها ما يصطاده فيما بعد… تحمس الصغير وهب لصيد بعض الأسماك ومنها إلى الكوخ…وجد الطفل جده جالسأً على كرسيه أمام الكوخ واضعاَ رأسه بين يديه هرع الطفل إلى جده.جيمى بفرحة : جدى.. الجد ماثيو يتحسس بيديه وجه الصغير وبصوت اللهفة وعينيه المنبهرة التائهة.الجد ماثيو :جيمى حبيبى أين كنت لقد قلقت عليك إلى حد الموت.جيمى بنظره معاتبه وكتمه بكاء. جيمى: لقد تهت فى الغابة يا جدى…. ثم يتابع مغيراً نبرة صوته الحزينة بفرحة قد إصتنعها قائلاً. ولكنى جئت إليك بالسمك من أجل الطعام وسوف أعده أيضاً بحسب إرشاداتك يا جدىولكن الجد لم يجد بقاموس الكلمات مايعبر عما بداخله من أسف فإحتضن حفيده بألم كبير وأخذ يعتزر بشدة.إندهش الطفل الصغير إذ كان يظن أنه هو من عليه اﻹعتزار. جيمى : لقد إنسكب اللبن أرضاً رغماً عنى أنا آسفإزداد نحيب الجد فإحتضن حفيده بقوة أكبر ولكنه تذكر غيابه وسأله فجأة مندهشاً : أين ذهبت يا جميى ؟؟جيمى:عندما خرجت من البيت أخذت أسير فى الحارات تفكرت كثيراً فى خطأى وأدركت حينها لماذا كرهنى أبى.وغادرت أمى ولماذا قمت يا جدى بطردى فوجدت أن إهمالى هو السببتطلع الجد ماثيو بعينيه الكفيفة إلى السراب بزهول من قدرته على التعبير عن ذاته وقال بثقة :الكل يحبك يا جيمى اﻷيامستثبت لك صحة قولى هذا وأنت ستكون ذو شأن عظيم كما أنى أحبك أكثر من نفسى فأنت رجل رائع يا حبيبى. وتستحق المحبة من الجميع.مسح الطفل دموعه بأكمامه متناسياً ما قد حدث قائلاً : شكراً يا جدى.. طبع الجد على وجه الصغير قبلة. جده : هيا بنا نطهو السمكأكلا اﻹثنان فى جو من الفكاهه ونام جيمى بين أحضان جده ماثيو ….إستيقظ جيمى فى الصباح الباكرسعياً للصيد كمهنة لكسب الرزق تغسل جيداً تهندم الصغير بقدر إمكاناته المحدودة فتأنق وذهب لجده.لكى يودعه قبل الغياب يوماً كاملاً لكسب الرزق ….حاول جيمى أن يوقظه وكان جده مستغرقاً بالنوم.نظر جيمى بإبتسامة بريئة لعين جده النائمة وقال : أراك فى المساء يا جدىطبع على جبينه قبلة سريعة وأخذ عدة الصيد بثقة رجل صانع صنارات ماهر و. بحماس قلب طفل صغير غادر الكوخوصل جيمى لبحيرة أمام الكوخ أخذ يتأمل البحيرة ويتخيل كيفسيلاقى جده بكوب لبن آخر وعشاء لذيذ ثم أفاق من خيالاته على وجه رقيق بعيد فهى فتاة تبلغ من العمر الستة أعوامترتدى فستاناً أبيضاً مزخرفاً بورود كبيرة برتقالية شعرها غير مرتب ولكنه أسود قصير إنسيابى. كالحرير جالسة بجوار أبيها كارلوس الذى يصطاد بدورهإنتهى جيمى من الصيد ثم ذهب للسوق ليبيع السمك الذى قام بإصتياده ثم لشراء ما يكفيه من اللبن وبعض العسل.والخبز من ثم إتجه للكوخأخذ يطرق جيمى الباب بنغمات منتظمة ولكن دون جدوى فأيقن الصغير أن جده نائماً فصاح بصوت عالٍٍ…حاول الصغير فتح…. الباب ولكنه كالحصن أمام ضعف طفولته فأخذ يقرع الباب بصوت مزعج ومتوال قرع الباب مرات ومرات ولا رد… تسلل القلق لقلب الصغير فقرر أن يدعو أحد المارين لمساعدته لفتح الباب
أِشعة الشمس البيضاء تنشر خطوطها من بين اﻷشجار الطويلة لتصل لعيوناً صغيرة نائمة إستيقظت عيون الصغير
.متأثرة بقطرات المطر الغزير والبرودة الشديدة تنهش فى جسده النحيف
ملابس جيمى الهشة لم تعد تحتمل قطرات المطر الغزير على أنسجتها الرقيقة خذلته تلك الخيوط الرفيعة فشعر بالبرودة
.فهو لا يعتاد هذا المكان فالغابة مليئة بالنباتات والأشجار الخضراء الطويلة
… وقع ليلة أمس فى الظلام الدامس بين اﻷشجار العملاقة
طرده جده صباح أمس من البيت بسبب إنسكاب اللبن من بين يديه الصغيرتين أرضاً فكان يشعر جيمى أنه قد
أذنب ذنباً لا يُغتفر أمام كمال جده الذى لا يخطىء أبداً مستسلماً لكل اﻹهانات والعبارات القاسية
.خاصة وأنه كان اللبن اﻷخير فى البيت
.إنهم يتحصلون على اللبن بندرة شديدة نظراّ لقلة مواردهم أو باﻷحرى ندرتها
فالجد قد أصابه العمى إثر الضربة القاسية التى تلقاها من زوج إبنته منذ شهور عدة هذا الجد السليط اللسان كان منذ
. شهوراً قليلة هادئ المشاعر متزناً نفسياّ يحب كل من حوله رغم حب اﻵخرين له للفائدة
فقد كان الجد ماثيو عضواً مهماً فى البرلمان البريطانى وكان من أعيان البلد وقد أصبح مؤخراً قائد منطقة حدودية
. وحصل على لقب ماركيز فقبل اﻷشهر القليلة الماضية كان فى يده السلطة والمال
!!لسوء حظه إنهار كل شئ قد بناه فى أعوام بين ليلة وضحاها مكتشفاً أن الصداقات شعاراتاً زائفة
…هذا الجد الذى يحتاج للآخرين الآن.. كان يخدم ولكنه يجد فى خدمة اﻵخرين له مهانة لكرامته
واﻵن إنهارت كرامته أمام الجوع والمأوى….. هرب ﻷبعد قرية ممكنة عن المدينة خوفاً من اﻹهانات هروباً من سخرية
.اﻷصدقاء قبل اﻷعادى مدركاً كل المعانى الدخيلة على حياته من خزى وخيانة
الشىء الذى لم يستطع هذا الشيخ إدراكه ما قد فعلته إبنته به فقد حدث كل ما حدث بسبب تصرفها القاتل لجميع أفراد
.العائلة لقد تهربت من مسؤلياتها وحياتها مع زوجها وأسرتها لكى تكون مع عشيقها
!!!!!. فأى حب هذا الذى يجعل إبنة وزوجة وأم أن تترك كل شئ من أجل رجل قد عاشت معه قصة عشق
إن جِراحنا من أقرب اﻷقرباء لنا يُحوِل ضعفنا إلى قسوة … وتتحول آهاتنا إلى السب و حتى القذف أحياناً فنحن لا ندرك مقدار
. اﻷلم الذى إشتد على قلوبنا
ّ
يجلس عجوز محنى الظهر تسللت النحافة إلى جسده والشحوب إلى وجهه … يجلس على كرسى خشبى أمام مدخل الكوخ فى القرية البعيدة عن المدينة واضعاً رأسه بين يديه …يرثى حاله ويؤنب نفسه كيف إستطاع أن يكسر قلب الصغير ويطرده … قائلاً بصوته المتهدل
ألم أكتفِ!!بطردة واحدة من أبيه منذ ستة أشهر ؟!!! حتى أفعل أنا نفس التصرف أيضاً؟
ماثيو هذا الذى دلل مارى إبنته كثيراً بعد وفاة والدتها وعاش من أجلها رافضاً الزواج…. هذا اﻷب الذى
.أحبها كل هذا الحب الصادق
كانت لديه الهيبة القوية أمام الجميع بشارب البشوات والبدلة التى تمتلى بجسده البدين الذى ينم عن عز مفرط
والساعة الذهبية المخبأة داخل الجاكيت اﻷسود فتنم عن رفعته من إظهار ترفه وغناه كأنما يقول أنى لا أحتاج أن
. أريك غناى فهو واضح كوضوح الشمس بكبد السماء
كان من القلائل الذين يرتدون نظارة فى زمنه و كانت نظارته الدائرية الشكل ذو الجدار الفضى
اللامع الرقيق لا تخفى ملامح وجهه المرنة والجادة أيضاً فكانت بشرته وردية وحواجبه غزيرة ناعمة سوداء إقتحمها
. الزمن ببعضالشعيرات البيض
أما جيمى طفلاً مسكيناً
صغيراً لا يتعدى الثمانى سنوات كأخوه التوأم جيوفانى كانا يتميزان بشعر حريرى أسود وعينهم سوداء كعين أبيهم اﻷمير الهندى سابقاً يتميزان بطول قامتهم بالنسبة ﻷعمارهم الصغيرة
. وبأناقتهم التى لم تقل أبداً عن أناقة جدهم ماثيو وأبوهم أنطونيو
تركت مارى كل ذلك مع خطاباً إهتزت له أعمدة القصر مصدومة من هول الفاجعة….تركت خطاباً فإنقلبت حياة الكل رأساً على عقب تركت
خطاباً تقول فى ثناياه إنها
!!!. قد سأمت الحياة مع أنطونيو و قررت الرحيل مع آخر
. وقعت بحبرٍ بارد …مارى
… تركت قفاذاً لجيمى منقوش علية إسم جيوفانى أخوه
تأتينا الصدمه وعندما لا يتسع إدراكنا المدلل الرقيق لجبروت وقسوة الموقف فيترجم الجميع سكوتنا تبلد وفجأة ندرك عمق
.مأساتنا أمام موقف عابر فتنهار قوانا البريئة فنشعر بتلك القبضة القوية فى القلب
أفاق جيمى من غفوته إتعدل من نومته أرضاً على العشب اﻷخضر الرطب لا يدرى إن كان خائفاً من وحدته فى وسط
. غابة لا يعرفها أم أنه يحتاج لمن يُسّهِل عليه قسوة الطريق ووحشتة فأخذ يدور بفزع فى الغابة بعينان حائرتان
… وصاح بفزع
!!! جدى –
. تعالى صوته أكثر وإزدادت الخنقة فى حلقه مدركاً خطورة موقفه فى مكان مجهول
!!جدى –
..تعالى صوته الفازع أكثر فأكثر
!!!جدى –
. وعندما أدرك أنه وحيداّ فى غابة غير مألوفة بالمرة صرخ والبكاء يجتاح وجهه البرئ يتهز جسده الضعيف المرتعش خوفاّ وبرودة
!!جدى أين انت ؟–
سكت فجأة من دورانه جلس أرضاً إتكأ على شجرة الكستناء لتحتويه فتمنع القليل من أسهم مائية قاسية وضع ذراعيه على ركبتيه وضع رأسه على ذراعيه قال بصوته
. الطفولى الباكى بيأس وحسرة
!! أمى …أمى –
.إزدادت الخنقة فى حلقه المتألم.
…إنى أريد أمى –
….لماذا ؟؟ لماذا قلت يا أبى إننى لست إبنك؟؟فأانا أحبك يا أبى؟؟
. أريد أن العب مع جيوفانى
هذا الحوار الذاتى ما هو إلاّ تيقظ نفسى لما يدور حوله لقد حدث ما حدث منذ أشهر
و جيمى الصغير لم يُبد أية ردة فعل تجاه ما حدث لقد كانت اﻷحداث أسرع و أقسى مما يجب بحيث لا
.يستطيع الصغير أن يترجم هذه اﻷحداث لمشاعر فورية تجبره على بالبكاء أو حتى اﻹدراك
…. بكى الصغير ﻷول مرة بكاءً حاداً مكتوماً مبحوحاً ممتلئاً بالخوف والحزن والوحدة
ها هو رجل فى منتصف العقد الرابع من عمره هزيل الجسد ثارت شعيراته البيض على شعره اﻷسود فأصبح يظهر بعمر أكبر من عمره رجلاً قد إنتهى فى عمله بحديقة قصراً عريق اﻵن يسمع أنين طفولى على غير العادة فى مكان موحش إنتبه الرجل للصوت ذهب بحرص وفضول
… تجاه الصوت ليجد هذا الطفل الصغير يبكى
.السيد كارلوس: بنى
..جيمى ينظر فجأة لأعلى نحو الصوت
السيد كارلوس: ماذا تفعل هنا؟
.جيمى بصوته الطفولى الباكى : لقد تهت بالغابة
السيد كارلوس: تلك ليست غابة بنى هذه حديقة قصر كروفت… حقاً لا أعرف ما بالكم أيها اﻷولاد تلعبون وتلتهون
.وتتركون آبائكم فى القلق الدائم عليكم تعالى معى بنى سأوصلك لمدخل القرية
كان الصمت بطل رحلتهم إلى البيت وصل السيد كارولس ووصل جيمى إلى بيته
. الجديد وبمجرد مغادرة السيد كارلوس تغيرت وجة الصغير فلم يذهب لجده
إنصهرت الشموع المشتعلة فسالت باكية كخيوط بلاستيكية سميكة على القناديل والنجاف تشتكى من هول ما شهدته
. منذ الصباح الباكر وحتى المساء
تترنح أضواء الشموع فتهتز اﻷماكن والظلال رغم السكوت طواعية لأيام سوداء يراها قصراً عريقاً لأول مرة يترنح فى تناغم معهم جسد هذا الشاب الهزيل بين أجواء القصر …. بعيناه شبه المغمضتين … حيث ظهرت بها الحُمرة …هذا الوجه
اﻷسمر الجميل تحول إلى الشحوب … فإنسيابية شعره لم تعد تشفع له ليبدو وسيماً كما كان يوماً… ليتحدث
.مظهره البائس عن يوماًمأساوياً قد مر به ..شاب فى آخر عقده الثالث
قرر الجلوس على إحدى الكراسى المبطنة والتى تكسوها أجود اﻷقمشة يمسح بسكر وإعياء قطرات الخمر الهاربة
. من فمه بظهر رسغه المتمسك بكاساً من الخمر رغم اﻹعياء الشديد
.تخرج من فمه كلماتاً هامسة بأبيات شعر هندية قد حفظها فى مراهقته
.وجدتك معشوقتى مكملتى ……فتركتينى… مثلما يترك السيد اﻷملاك
تتصدر الساحة الصوتية الهامسة فجأة طرقات الباب لتقض تماماً على همسات سكره … يلتفت الشاب للباب
.يحارب سكره ليخرج الكلام مرتباّ
.!!أنطونيو : تريز إفتحِ الباب ألا تسمعى الباب يا كلبة؟
تظهر تريز مسرعة .. تمسح يدها بالمنشفة العالقة على خصرها الثمين … تريز سيدة سوداء اللون ذات الشعر
الأجعد والحركة الخفيفة … بيتها بالقرية القريبة من المدينة تقضى ساعات الليل بالقصر … وتغادر القصر مع أول
.شعاعاً للشمس
.تريز: نعم سيدى سأفتح الباب حالاً
يظهر على الباب شاب طويل القامة عريض المنكبين شعره البنى الفاتح وبشرته البيضاء وعينيه الزرقاوين يتحدثان عن
.وسامته
.. بإحترامٍ وجدية
توم : هل السيد أنطونيو بالداخل؟
.تريز: نعم… تفضل سيدى
.توم :شكراً لكِ تريز
دلف توم إلى القصر يبحث بعينيه عن أنطونيو فيرى ذراعاً تمسك كأساً من النبيذ المعتق منسدله من مسند المقعد
. اﻷحمر المبطن ذو اﻹيطار الذهبى وصوتاً ينادى
.أنطونيو : توم صديقى … تعالى أنا هنا …. أنت يا صديقى من قد تبقى لى فى عالم اﻷحياء
.أسرع توم للداخل بإتجاه الصوت
.!!!توم بهلع : يا مجنون ماذا فعلت بنفسك!!! … إذاً ما سمعته صحيح
أنطونيو يبكى وسط سكره يحاول ترتيب الجمل والحروف والكلمات بشكل يسهُل فهمه يشيح بسبابة يده التى
.. تمسك كأساً من الخمر
.أنطونيو: يا صديقى صحيح و أنا الذى تركت الملكية الهندية ﻷجلها خسرت أهلى ﻷننى أصريت على الزواج منها
!!!توم بتعجب: لا أصدق أن مارى تفعل هذا
أنطونيو: نعم .. مارى !! هذا الملاك الطاهر البرئ التى لطالما ساعدت الفقراء … رأيتها أول مرة فى إجتماع عمل بقصر أبيها كانت تركض بخفة بين صديقاتها تجمع الورود من حديقة القصر …. تزوجنا و كان صدرها هو ملجائى عندما تشتد
. !!قسوة الحياة علينا كيف تخونينى يا مارى؟ كيف هنت عليك ؟
!توم : واﻷولاد كيف حالهم الآن ؟
.أنطونيو يضحك بإستنكار: أولادى؟ !عن أى أولاداً تتحدث يا توم ؟؟ هل هم أولادى بالفعل؟ههه أشك يا عزيزى أشك
. تجرع جرعة من كأسه ومسكن آلامه
.توم :كيف تقول هذا بالطبع هم أولادك يا أنطونيو!! ….ألا ترى كيف يشبهانك؟؟ …أين هم اﻵن أجبنى؟
.أنطونيو:لقد رحلت العاهرة بجيوفانى …و أنا طردت الجد ماثيو و جيمى
.!!توم :ماذا تقول ؟! هل جننت !! أنت بالفعل قد فقدت صوابك
أنطونيو يبتسم بإستنكار وهو ينظر لكأسه : لقد بعت لنفسى أملاك السيد ماثيو بموجب التوكيل العام
. الرسمى … حتى أعوض خسارة حياتى معها
.!!توم : ماذا قلت
أنطونيو وقد إ زادت حرقة قلبه وبحة صوته : والعجيب يا صديقى أننى لم أستطع أن أداو عذاب حبى لها رغم كل تلك
..اﻷملاك فأنا مازلت أحبها يا توم.. أحببتها بصدق ولا أعرف كيف أكف عن حبى لها
..تحولت ملامح وجهه الباكية إلى زهول وعدم إستيعاب
قدمت لها حياتى ضحيت بكل شئ من أجلها!!! …حتى أبوها ماثيو قد قدر تضحيتى من أجلها وعوضنى بهذا التوكيل
.أنجبت لى أولاداً رائعين حقاً !!!! أحببتهم بصدق أعطيت كل طاقتى من أجل إنجاح هذا الزواج
.توم: هون عليك يا صديقى
.سكت أنطونيو حيناً ليتذكر ماذا حدث ثم أردف قائلاً كأنه يرى أحداث الصباح مرة أخرى أمام عينيه
أنطونيو: اليوم صباحاً دخلت إلى غرفة جيمى سحبته من فراشه بقسوة قلت له هيا أخرج من بيتى يا إبن العاهرة خذ
.. جدك معك لا أريد رؤيتكم مرة ثانية
.قال لى : أبى
.. إزدادت خنقة أنطونيو فأردف قائلاً بذهول
!!!قلت له أنت لست إبنى أخرج إبحث عن أبيك خارجاً
…قال لى سامحنى يا أبى أعدك أننى لن أكسر الزجاج مره أخرى ولكن دعنى أبقى
إبتسم أنطونيو بعدم إكتراث ثم بكى كاﻷطفال
.ولكنى جررته للخارج وأوقعت السيد ماثيو أرضاً فاقداً الوعى
توم : كيف فعلت هذا يا أنطونيو ؟ اانت مجنون ؟!كيف تفعل ذلك ؟! وأين هم الآن أجبنى؟
أنطونيو يضع رأسه بين يديه و يبكى بكاءً مراً ويصرخ: لست أدري لا أعلم يا توم ….لا أعرف أين هم ولا
. أريد أن أعرف
.يقوم الشاب من مجلسه مقاوماً تيهة عقله وترنح جسده وسرعان ما يجلس فاقداً السيطرة على قواه فيسنده صديقه
هو : لا نستطيع أن نكمل تلك العلاقة هى : نعم فكلانا لا يستطيع الصمود أمام برودة المشاعر لقد اختبرنا عشقنا أمام مسؤليات الحياة وقسوتها فصدمنا بأنفسنا فلا طاقة لنا للإحتمال هو : نعم يجب أن ننفصل هى: وماذا سنقول للناس ؟ هو : لا أدرى حقيقة لا أدرى هى : إذن يجب علينا اﻹستمرار حتى لا يتهمنا مجتمع منافق بالفشل هو: ﻹذن سنعيش سوياً ولكل منا قرار الحياة وحيداً هى: أجد ذلك حلاً منطقياً جداً ولكن ينقصنا خطوة بعد كل تلك الفضائح التى قد أثيرت عنا أمام أعين الجميع هو : وما هو ؟ هى: يجب أن نمسح تلك المساوئ سريعاً من ذاكرة الجميع لنثبت لهم أننا ما عدنا نقوم بأدوار عشقيه فى مسرحية الحب الهزلية تلك والتى لم تُكتب لنا يوما …. يجب أن نقوم بدور العاشقين فى الفصل اﻷخير منها بشكل درامى قوى فيسهل وقتها التخفى وراء حقيقة المشاعر فلا أحد يشعر وقتها بشئ من برود أدائنا . هو: نعم ولكن كيف ؟ هى: تعلم أننى أجيد السباحة … دعنى أدعى الغرق فى نهر القرية وانت تتدعى أنك ستخاطر بحياتك ﻹنقاذى عندها فقط سيرانا أهل القرية جميعاً وقد إدعى حبنا كذباً أنه مازال حياً يرزق حينها سنكمم السنة الجميع هو: إنها حقاً فكرة جيده جداً هيا بنا لننفذ … أمستعدة أنت؟ هى: نعم هو : ﻹذن هيا إدعى الغرق وسأدعى أنا إنقاذك بحبى الواهى
هى تسبح وتسبح وإذ بها تدعى الغرق وهو يدعى الخوف والرعب ومن ثم يدعى أخذ ردود اﻷفعال
مرت دقائق … سمع صوتها يناجى وتلك المرة يناجى بجدية فهو كالموسيقى الخبير بجميع طبقات صوتها …. فسمعت صوته ايضاً تلك المرة ينادى بإسمها بخوف يملأه اﻹرتعاب كادت تغرق بنهراً قاسياً عن حق وكاد هو يغرق فى نهر الفراق عن حق أنقذها وخرجوا من النهر
هو: كدت أموت إرتعاباً عليك وقت غرقك تخيلت لوهلة البيت بدونك فسقط قلبى من بين ضلوعى هى: شكراً حبيبى .. ﻹنقاذك إياى … ولكن إن كنت تدعى محبتك فأنظر إلى الشارع فلا أحد يكترث أصلاً إن كنا سوياً أو لا هو: نعم لقد أدركت ذلك حبيبتى ….. فلم يكن ممثلين ومخرجين ومؤلفين ومشاهدين لمسرحية الحب الهزلية إلانا كل تلك الفترة… ورغم ذلك أصر على حبى لك هى: ألن تعلن ذلك للناس جميعاً ؟ هو : أتهتمن بذلك ؟ هى : لا لم أعد أهتم بذلك… فالعشق كالجنين ببطن أمه لا يمكن إخفائة وسيعرف الناس بشأن حياه الحب تلقائياً هو: وإن لم يعرفوا ؟ هى: أيضاً لم أعد أهتم يكفى معرفتى أنا بذلك هو: عيد حب سعيد سيدتى هى: عيد حب سعيد عليك سيدى